مع دخول الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة عامها الثالث، تكشف حصيلة عام 2025 عن واقعٍ زراعي غير مسبوق في قسوته، بعدما تحوّل أحد أهم أعمدة الأمن الغذائي إلى قطاعٍ مدمّر وشبه غائب عن دورة الإنتاج، مع السيطرة الإسرائيلية على الأرض والمعابر، ومنع إدخال مدخلات الزراعة، واتساع رقعة الدمار.
خسائر فادحة
يقول المتحدث باسم وزارة الزراعة في غزة، م. محمد أبو عودة، إن القطاع الزراعي تعرّض خلال عامين ونيف من حرب الإبادة لتدميرٍ تجاوز 90%، حيث جرى تدمير نحو 187 ألف دونم من الأراضي الزراعية، ما أدى إلى فقدان 55 ألف مزارع مصادر دخلهم وتحولهم إلى عاطلين عن العمل. ويوضح أن هذا الدمار لم يقتصر على الأرض فقط، بل شمل منظومة الإنتاج الزراعي بكامل حلقاتها.
ويوضح أبو عودة أنه قبل الحرب كان القطاع الزراعي في غزة ينتج نحو 525 ألف طن من الإنتاج النباتي، وحقق اكتفاءً ذاتيًا بلغ 115% من الخضروات ونحو 80% من الفواكه، إلا أن هذا الواقع انهار بالكامل، لتنشأ فجوة غذائية عميقة لا يمكن سدّها بالإنتاج المحلي.
يتقاطع هذا التوصيف مع بيانات مركز الإحصاء الفلسطيني، التي تشير إلى أن الزراعة كانت من أكثر القطاعات تضررًا في غزة، فيما أكدت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO) أن القدرة المحلية على إنتاج الغذاء تعرّضت لانهيار شبه كامل نتيجة تدمير الأراضي والآبار وشبكات الري.
مساحات محدودة
يؤكد أبو عودة أن المساحات المزروعة حاليًا لا تتجاوز 700 دونم فقط، أي ما يعادل 5 إلى 6% مما كان يُزرع قبل الحرب، مشددًا على أن هذا الحجم من الزراعة «لا يغطي أي شيء من احتياجات السكان»، في ظل وقوع معظم الأراضي الزراعية ضمن مناطق خطرة أو مدمّرة.
تدعم هذه المعطيات نتائج التقييم المشترك الصادر عن FAO وUNOSAT، والذي أظهر أن أكثر من 80% من الأراضي الزراعية في قطاع غزة تضررت، لترتفع النسبة لاحقًا إلى نحو 87% بحلول أكتوبر/تشرين الأول 2025، مع أضرار واسعة في الدفيئات الزراعية وعدم إمكانية الوصول إلى غالبية الأراضي.
ويشير أبو عودة إلى أن قطاعات زراعية كاملة أُبيدت، حيث دُمّر قطاع الدواجن بالكامل، وتوقف قطاع الأبقار والعجول، وأُبيد قطاع النحل، فيما بقي قطاع الأغنام محدودًا، ما أفقد السوق المحلي مصادر أساسية للبروتين الحيواني.
تحذيرات أممية
وفي هذا السياق، أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) بأن أكثر من 83% من الأراضي الزراعية والآبار تضررت، وأن أقل من 5% فقط من الأراضي كانت متاحة للوصول في ذروة التصعيد، محذرًا من تداعيات ذلك الخطيرة على الأمن الغذائي.
يلفت أبو عودة إلى أن الزراعة فقدت تنوعها الإنتاجي، فبعد إنتاج عشرات المحاصيل قبل الحرب، تقلّص الإنتاج اليوم إلى عددٍ محدود من الخضروات والفواكه، مع توقفٍ كامل للمحاصيل الحقلية، ما يفاقم الاعتماد على المساعدات.
ويؤكد أن إدخال البذور والأسمدة والمستلزمات الزراعية متوقف بالكامل، وما يدخل منها بكميات محدودة لا يعيد عجلة الإنتاج. وتعتبر FAO أن القيود المفروضة على مدخلات الزراعة تمثل العائق الأكبر أمام أي تعافٍ محتمل.
ويعاني القطاع الزراعي من شح المياه وتلوثها، وتدمير التربة بفعل التجريف والقصف، إلى جانب الضغط الهائل على المياه الجوفية بسبب النزوح الواسع، وهو ما حذّر منه برنامج الأغذية العالمي بوصفه عاملًا رئيسيًا في تعميق انعدام الأمن الغذائي.
تعافٍ معقّد
أما إعادة تأهيل التربة، فيوضح أبو عودة أنها تتطلب فحوصًا مخبرية غير متاحة حاليًا بسبب تدمير المختبرات ومنع إخراج العينات إلى الخارج، ما يجعل أي زراعة مستقبلية محفوفة بالمخاطر.
ورغم ذلك، حاولت وزارة الزراعة تنفيذ برامج إغاثية بالتعاون مع مؤسسات محلية ودولية، إلا أن معظم هذه الجهود متوقفة بانتظار الانتقال إلى مراحل لاحقة من وقف إطلاق النار، مع تشكيل غرفة عمليات مشتركة لإعادة الإعمار.
ويحذّر البنك الدولي من أن انهيار الزراعة في غزة يشكّل جزءًا من انهيارٍ أوسع في سبل العيش، مؤكدًا استمرار الحاجة إلى دعم غذائي واسع في ظل غياب الإنتاج المحلي.
ويختتم أبو عودة بالتأكيد على أن تعافي القطاع الزراعي يحتاج من خمس إلى عشر سنوات في حال توفر دعم حقيقي، مشددًا على أن إعادة بناء الزراعة تمثل أساسًا للأمن الغذائي وتقليل الاعتماد على المساعدات.

