إن إقدام بريطانيا على تصنيف حركة حماس منظمة إرهابية هو سلوك طبيعي من دولة استعمارية شيّدت إمبراطوريتها فوق جماجم أبناء الشعوب المستضعفة، وعملت على سرقة خيراتهم وثرواتهم وتفريق وحدتهم وزرع الشقاق والنزاع بينهم إثنياتهم وأعراقهم وطوائفهم، ولم يكن متوقعاً من بريطانيا سلوكاً مختلفاً عن ذلك.
هذا هو الوجه الحقيقي لبريطانيا التي غرست الغدة السرطانية "إسرائيل" في جسد الأمة على أنقاض المدن والقرى والبلدات الفلسطينية، بعد ذبح وتهجير أهلها منذ استعمارها لفلسطين عام 1917م، والذي مهّدت عبره لتسليم فلسطين للعصابات الصهيونية المسلحة التي ارتكبت مجازر يندى لها جبين الإنسانية بحق الشعب الفلسطيني.
وإن من نافلة القول إن المقاومة الفلسطينية وحماس بالتحديد لم يكن بإمكانها إيقاف هذا القرار عبر ممارسة أي جهود دبلوماسية مع بريطانيا التي تسببت بالمأساة التاريخية التي يعيشها الشعب الفلسطيني منذ ما قبل عام 1948م، إذ إن بريطانيا كانت وما زالت تؤيد وتتبجح بتأسيسها الكيان الصهيوني وتأييدها له، هذا حتى لا نجلد ظهورنا ونخدش وجوهنا ونحمّل أنفسنا ما لا طاقة لنا به.
إن استضافة بريطانيا لبعض أبناء الجماعات الإسلامية والحركات التحررية لم يكن انطلاقاً من اعترافها بحق الشعوب بتقرير مصيرها وتحرير أرضها، ولا تكفيراً عن خطيئتها التاريخية باستعمار المنطقة وتقسيمها وتكريس النزاعات الداخلية والحدودية بين أقطارها؛ وإنما انطلاقاً من حرصها على احتواء وتدجين هذه الجماعات والتأثير في قراراتها السيادية، وحين يستقر في أذهان صناع القرار في بريطانيا أن هذه الجماعات - ومن بينها حماس- عصية على التدجين، لن تجد هذه الدولة الاستعمارية بداً من الانسجام مع أدبياتها وقيمها العنصرية بتصنيف الحركات التحررية جماعات ارهابية.
هذا القرار البريطاني لا يستهدف حركة حماس فحسب، وإنما يهدف إلى ترهيب الجالية الفلسطينية والعربية في بريطانيا التي أبلت بلاءً حسناً خلال العدوان "الإسرائيلي" الأخير على قطاع غزة، وخرجت بمظاهرات ضخمة دعماً لحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال، ما شكّل تحدياً كبيراً للرواية الصهيونية التي حاولت تضليل الرأي العام العالمي باتهام الفلسطيني الذي يدافع عن أرضه ومقدساته بالإرهاب والاعتداء على المدنيين، هذا مع التأكيد أن كيان الاحتلال والمجتمع "الإسرائيلي" هو كيان عسكري مسلّح قائم على سياسة الإحلال والتغيير الديموغرافي، فمن يقدّمهم الاحتلال مدنيين هم إرهابيون قدموا من أمريكا وروسيا وفرنسا وغيرها لتهجير الشعب الفلسطيني واحتلال أرضه وتهويد تاريخه وحاضره ومستقبله.
المطلوب اليوم من حركة حماس بصفتها جهة رسمية فلسطينية تمثّل ثورة الشعب الفلسطيني ومقاومته هو إعادة النظر بشكل جدي في طبيعة وجودها في جميع الساحات الخارجية، وحصر أنشطتها السياسية والدبلوماسية في الدول التي تشاركها العداء للكيان الصهيوني، أو على الأقل التي لم تتورط في دعم وتأييد هذا الكيان الغاصب، والعمل على إعادة تقييم مدى تحقق المصالح المرجوة من وجودها في تلك الدول مقابل الضغوطات التي تتعرض لها منها، ناهيك بالاستنزاف المادي للحركة والاستهداف الاستخباري لقادتها وكوادرها.
على حين يُنتظر من الجالية الفلسطينية في بريطانيا مواصلة جهودها وأنشطتها الجماهيرية وتعزيز دور الدبلوماسية الشعبية في مواجهة اللوبي الصهيوني في بريطانيا، من خلال استمرار عقد المؤتمرات والمظاهرات واستثمار وسائل التواصل الاجتماعي ومخاطبة المجتمع الغربي والتأثير فيه، وهذا ما لا تستطيع بريطانيا وحكومتها منعه أو تحجيمه بأي حال من الأحوال، فالمعركة مع هذا الاحتلال يجب أن تستمر على كل الجبهات بلا هوادة.