فلسطين أون لاين

صناعة خليلية محببة لزوار المدينة وأهلها

تاريخ عريق وحكاية صمود تجمع عائلة "سدر" بصناعة "الحلقوم"

...
غزة/ هدى الدلو:

تتوارث عائلة سدر الخليلية مهمة صناعة راحة الحلقوم جيلًا بعد جيل منذ أكثر من قرن ونصف، ويأتي تمسكهم بصناعة هذه الحلوى في إطار الحفاظ على ديمومتها وبقائها والصبغة التي تحملها مدينة الخليل وعائلته طيلة السنوات الطويلة.

ورث الشاب محمد سدر مهنة صناعة الحلقوم عن جده وأبيه، إذ اعتاد أفراد عائلته وعائلات أخرى تقطن في المحافظة الواقعة جنوب الضفة الغربية اصطحابَ هذه الحلوى قبل ذهابهم إلى المسجد الإبراهيمي لتوزيعها على المصلين أو الزوار أو هدية للأقارب الذين يلتقون بهم هناك.

يقول لصحيفة "فلسطين": "ورثت عائلتي هذه الصنعة منذ أكثر من 170 عامًا، ورغم الصعوبات التي واجهتنا على مر السنوات فإننا نواصل العمل بها لنحتفظ بمهنة آبائنا وأجدادنا فهمي جزء من التراث، فالأجيال الجديدة تتعلمها وعليهم إتقان صناعتها لضمان ديمومة بقائها".

وحاول أن ينتج مصنع سدر حلويات أخرى كالحلاوة الطحينية والملبس إلا أنهم آثروا الاقتصار على الحلقوم باعتبارها الحلوى المفضلة للسياح وزوار المدينة وأهل الخليل.

ويشير سدر إلى الإنتاج السنوي من حلوى راحة الحلقوم يقدر بنحو نصف طن بعد أن كان ينتج أضعاف هذه الكمية، إلا أن التضييق الإسرائيلي ووجود جيش الاحتلال والمستوطنين وإحراق المصنع، ترك أثرًا كبيرًا على معدل الإنتاجية.

ويقول محمد إن أجداده بدؤوا صناعة هذا النوع من الحلوى قبل أكثر من 170 عامًا، ثم توارث أجداده وآباؤه الحرفة التي نقلت إلى والده قبل 65 عامًا، وبدوره يقوم بتعليمها لأبنائه.

ويلفت إلى أن منتجاته وصلت إلى غزة ومدن الضفة والخارج حسب الطلب، أما الآن فهي محدودة.

أما عن طريقة صناعة راحة الحلقوم، فيوضح أنها تمر بعدة مراحل، إذ يطبخ من ثلاثة مكونات رئيسة: الماء والسكر والنشا، ويضاف إليه ماء الزهر أو الفانيلا، والألوان الطبيعية، ويستمر طبخه لعدة ساعات، ثم يسكب ويترك لليوم التالي حتى يتمكن من تقطيعه بعدما يبرد تمامًا، ومن ثم تعليبه وتسويقه.

ويبين أنهم لا يستخدمون في صناعة الحلقوم أي نوع من المواد الحافظة أو الصبغات الكيماوية أو الجلاتين، التي تعطيه فرصة ليكون صالحًا لعدة سنوات.

ويلفت إلى أن صناعة راحة الحلقوم لا تحتاج إلى آلات معقدة أو إمكانات كبيرة، "وأي زائر لمحله يمكنه مشاهدة آلة الصناعة البسيطة والمواد التي تصنع منها الحلوى، ولهذا تحظى بثقة الزوار".

عروض ومضايقات

ولم ينجُ مصنع الحلوى التقليدي من انتهاكات الاحتلال، ويذكر أن المستوطنين قاموا بحرقه أمام أعين أصحابه مرتين، وأغلقه جنود الاحتلال عدة مرات بعد مجزرة الحرم الإبراهيمي، وانتفاضة الأقصى.

ويلفت سدر إلى أن أجداده في أثناء عملهم في المصنع تلقوا عروضًا مادية مغرية لنقل عملهم إلى خارج فلسطين، كالبرازيل لفتح مصنع لإنتاج الحلقوم وبيعه، والسعودية والأردن وغيرها من الدول التي عرضوا عليهم عروضًا جميعها انتهت بالرفض، "فوجودنا في الخليل تعبيرًا عن صمودنا بداخل المدينة وتحديًا للاحتلال وممارساته".

وينشط عمل المصنع وإنتاجه في الأعياد والمناسبات الدينية كالمولد النبوي ورأس السنة الهجرية وشهر رمضان وإقبال الناس على شرائه، ولذلك يحاولون في بعض الأحيان توسيع عمل المصنع أو فتح فروع جديدة في مدن أخرى ولكن الحواجز والحصار والمضايقات تعيدهم في كل مرة إلى المربع الأول، خاصة أن المصنع قريب من المسجد الإبراهيمي، وبالتالي يتردد عليه المستوطنون فيعيثون فيه فسادًا وكذلك في المحلات المجاورة.

وبالنسبة لمنتج المصنع، فيوضح أنهم لا يقومون بتوزيعه على المحلات التجارية لتسويقه، فكل الإنتاج يشتريه المارة الأفراد والعائلات وأصحاب البيوت، وبعض أصحاب المحلات المجاورة يأتون لشراء كميات لبيعها في محلاتهم، إلى جانب إقبال الأجانب عليه، ونأمل زيادة حجم الإنتاج المطلوب ليتناسب مع الطلب.

سدر الذي يعمل في المصنع منذ خمسة عشر عامًا، يؤكد أنه سيورث أبناءه هذه الصناعة التي تعكس تاريخ الخليل وتراثها وكذلك مكانة عائلة سدر.

من أين جاءت هذه الحلوى؟

وفقًا للرواية التاريخية، فيُحكى أنّ أول وصفة للحلقوم التركي كانت بعدما أمر أحد السلاطين بصناعة حلوى فريدة من نوعها لإرضاء زوجته، فعمل مَن في القصر على مزج العسل والدبس والنشا والمستكة حتى كان الحلقوم، ومن ذلك الوقت أصبح جزءًا من الحياة اليومية والمناسبات الدينية والاجتماعية عن العثمانيين.

ويُقال إنّ أوّل من صنع تلك الحلوى الشهيرة هو "حاجي بكير"، الذي افتتح متجرًا خاصًّا له في ضواحي إسطنبول بعض قدومه من قرية " كاستامونو" الصغيرة في شرق الأناضول عام 1777، فما لبث أنْ وصلت شهرته إلى قصر السلطان الذي منحه وسام شرف صانعي الحلوى وعيّنه الشيف الرئيس المسؤول عن الحلويات في القصر.