شكّلت معركة حجارة السِّجّيل عام 2012م تحولاً دراماتيكيّاً في أداء المقاومة وجرأتها، وهي تتّخذُ قراراً حاسماً بضرب عاصمة الكيان الصهيوني، يوم أن أقدم الاحتلال على العدوان المباغت لغزة واغتيال قائد أركان المقاومة، ومهندس صفقة وفاء الأحرار أحمد الجعبري.
كانت تلك المعركة مفصليّة في إدارة الصراع العسكري مع الكيان الصهيوني، فلأول مرة في تاريخ المقاومة الفلسطينية تُقصف مدينة (تل أبيب) بالصواريخ.
لم تكن عملية اغتيال القائد الكبير أحمد الجعبري سوى إشباع الاحتلال لرغبة الانتقام ممن أذلّ طغيانه، وفضح هشاشة بنيانه، وكيف لا؟ وهو من أقسم لحظة الإفراج عنه من سجون الاحتلال ألّا يغمض له جفن قبل أن يرى الأسرى أحرارًا، وقد برّ بقسمه أيما برّ، فصفقة وفاء الأحرار كانت من أنصع صفحات العزّ والفخار الفلسطيني، وهي التي كانت صفقة تَحرَّرَ فيها ثلّة كريمة من أبطال شعبنا الفلسطيني، وهي إلى جانب ذلك مثّلت انتصارًا أمنيًا واستخباريًا ومعنويًا ترك في الاحتلال أثرًا عميقًا وصدمة يتردد صداها حتى يومنا هذا.
إنّ معركة حجارة السِّجّيل وبالرغم من قصر مدتها والتي لم تتجاوز سبع ليال وثمانية أيام حسوما، فقد رأى العالمُ جنود العدو الصهيوني ومستوطنيه فيها صرعى كأنَّهم أعجازُ نخلٍ خاوية، فأسطورة الجيش الصهيوني قهرته المقاومة، وأنهت نظرية الجيش الذي لا يُهزَم، وضربت منظومته الأمنيّة في قلب عاصمته، وبزغ نجم المقاتل الفلسطيني الشرس الذي يملك الكفاءة والقدرة على الرد على العدو، لتكون نهاية المعركة بإلزام العدو وقفَ عدوانه بعد أن تلقّى درساً كان له ما بعده.
وتعود الذاكرة قبل ثلاثين عاماً وبعد يومٍ واحدٍ مِن بدء التحالف الدولي بقيادة أمريكا عدوانه الجويّ على العاصمة العراقية بغداد، يومها أقدم الرئيس العراقي صدام حسين على ضرب الكيان الصهيوني وتل أبيب بتسعة وثلاثين صاروخا، تاركا الصاروخ الأربعين لِمَن بعده ومتسائلاً في تصريح له: مَن سيطلق الصاروخ الأربعين؟ في إشارة للأنظمة العربية، وفي استهزاء واضح بها، التي لم تحرك ساكناً إلى يومنا هذا.
لكنّ المقاومة الفلسطينية اليوم وهي تخوض معركة التحرير تُراكم من قوتها العسكرية، وتُطوِّر ترسانتها الحربيّة، وتتمكن وبعقول فلسطينية في ظل الحصار العسكري والشامل مِن قصف تل أبيب، بل وفرض حظر التجوال على الكيان الصهيوني في معاركها الحاسمة.
فها هي وإبّان معركة سيف القدس خلال العام الجاري ألفين وواحد وعشرين تضرب الكيان الصهيوني في غضون أيام معدودة بآلاف الصواريخ، وتقصف (تل أبيب) بالعشرات منها في لحظة واحدة.
لقد صنعت المقاومة معادلة عسكرية بأنّ قصف (تل أبيب) أهونُ عليها مِن شربة ماء، بل وجعلت غزة (تل أبيب) "مَلَطّة" لصواريخها.
إنَّهُ القلب الحديدي للمقاومة، وما خفي أعظم.