لم يكن يوم الثامن عشر من أكتوبر لعام 2011 يوما عاديا، بل كان وسيظل معلما عظيما ومحطة فارقة في مسيرة المقاومة الفلسطينية، ومحطة تبعث على الفخر والاعتزاز الوطني بمقاومة فلسطينية باسلة، نضجت وتطورت وأبدعت حتى لم يعد بمقدور العدو وصفها بمقاومة الهواة والمندفعين كما كان يحلو له".
عقدٌ من الزمان مر على أضخم عملية تبادل بين كتائب القسام والكيان الصهيوني؛ صفقة فرضت معادلة سياسية وأمنية وعسكرية، وصنعت انتصارا عظيما، كما شكلت ميلادا جديدا لفجر حرية الأسرى.
الصفقة التي كتبت فصولها بماء الذهب في صفحات العز والشرف في تاريخ أجندة العمل المقاوم.
لأول مرة تتم عمليةٌ يكون فيها الأسر ومكان الاحتجاز والتفاوض عليها؛ داخل أرض فلسطين.
ضربةٌ موجعةٌ لم يدرك قادة العدو ما حصل، وما عليهم أن يفعلوا في مواجهة ذلك الحدث.
الأمني الكبير، بعد أن أغار مجاهدو كتائب الشهيد عز الدين القسام والمقاومة الفلسطينية، على موقع كرم أبو سالم العسكري شرق رفح، فجر الأحد، الموافق الخامس والعشرون من يونيو لعام 2006، موقعين في جنود الاحتلال ما بين قتيل وجريح، وينسحب المقاومون ومعهم الصيد الثمين؛ الجندي الصهيوني" جلعاد شاليط"، ليبقى في جعبة المقاومة على مدار خمس سنوات.
وقد انكفأ العدو خائبا رغم الحرب والعدوان وسياسة الترغيب والترهيب، ليتيقن أنه لا مجال لتحرير جُنديّه المأسور سوى الخضوع لشروط المقاومة لإتمام صفقة التبادل.
لقد تعرض الكيان الصهيوني لانتكاسة سياسية كبيرة بسبب العجز الاستخباراتي في التعرف إلى مكان جنديِّه المأسور طيلة أسره في غزة الصغيرة؛ رغم امتلاكه التقنية الأمنية والتكنلوجيا الحربية.
وبعد مفاوضات مضنية وعنيدة؛ تم التوصل إلى اتفاق صفقة تبادل للأسرى برعاية مصرية، تقضي بأن تسلم المقاومة الجندي الأسير، الذي أصيب بصدمة حرب ستحرمه خوضَ أي قتال مستقبلي، على أن يطلق الاحتلال 1027 أسيرا فلسطينيا من السجون؛ من كلّ الفصائل الوطنية والجغرافية الفلسطينية، تشمل الكثير من أصحاب المحكوميات العالية وكلّ الأسيرات الفلسطينيات.
ففي صبيحة الثامن عشر من أكتوبر لعام 2011، تمترس العالم أمام شاشات التلفزة، ليشاهد لحظة انتصار المقاومة على العدو الصهيوني بتحرير أسراها مقابل الجندي "جلعاد شاليط"، وأجبر الاحتلال على دفع ثمن باهظ يومها، وحققت المقاومة مطالبها.
ويبقى أسرانا البواسل على أمل عهدوه، فحالةٌ من الترقب في السجون قد بدأت خلال معركة العصف المأكول عام 2014 بالدعاء للمجاهدين أن يوفقهم الله لأسر الجنود الصهاينة، وما تبع ذلك من إعلان كتائب القسام أسر الجندي الصهيوني "شاؤول آرون"، وما تبعه من إعلان القسام كذلك أسر بقية الأسرى الصهاينة.
عشر سنوات على صفقة وفاء الأحرار لا تقف المقاومة على أطلالها اليوم، بل تستشرف صفقة أعظم وهي تنحت في خرسان السجن إلى فجر الحرية القريب.
فإذا كانت الصفقة الأولى ثمنها جندي؛ ففي جعبة القسام اليوم واحد وربما اثنان وربما ثلاثة وربما أربعة، ما مصيرهم وما حكايتهم، لا ريب أن ما خفي أعظم.
اليوم ورغم التعنت الكبير الذي يمارسه الاحتلال في تنفيذ الصفقة المرتقبة، فإنه سيرضخ في النهاية لمطالب المقاومة، التي تراكم في كل يوم قدراتها العسكرية والأمنية، وتتمسك بمواقفها ومطالبها لتصل إلى الوعد المنتظر والفجر المرتقب واليوم الوطني الكبير.
عهدًا قطعته كتائب القسام، أن تصنع الصفقة تلو الأخرى، فإذا كان الوعد قساميا كانت الأفعال بديلًا عن الأقوال.