تطل علينا ذكرى مريرة صعبة تعود بشعبنا الفلسطيني إلى أربع سنوات بعد المئة، مضت من الألم والقهر والحرمان والحروب والقتل والتشريد والتهويد والاستيطان؛ حيث اقترفت ما يسمى "بريطانيا العظمى" ومن ساندها من قوى الاستكبار العالمي خطيئة كبرى بحق الشعب الفلسطيني بمنحها أرضنا للمغتصبين الصهاينة؛ ومنذ تلك اللحظة وشعبنا الفلسطيني يعاني الويلات والحرمان وترتكب بحقه المجازر تلو المجازر في كل مكان على يد النازيين الصهاينة وما زالت المؤامرة على شعبنا وقضيتنا متواصلة إلى يومنا هذا، حيث الحصار والتهويد والتدمير والاقتلاع وما زال شعبنا صامدًا متمسكًا بثوابته رافضًا لأي وجود للاحتلال على أي شبر من أرضه متصديًا لكل المشاريع التي تهدف إلى تصفية قضيته.
الجريمة التي اقترفتها بريطانيا بحق شعبنا وقضيتنا، والتي تمثلت في تسهيل انتقال الأراضي الأميرية الفلسطينية لليهود، وتسهيل إجراءات الهجرة لليهود لاستيطان واغتصاب أرض فلسطين، وتكريس السياسات الاقتصادية التي ساعدت في دعم وتأسيس النواة الأساسية للكيان الصهيوني، في مقابل انتهاج السياسات والمواقف والممارسات المعادية للفلسطينيين أصحاب الأرض الأصليين، والتي توجت بالانسحاب من فلسطين في 14 مايو 1948م، تاركة إمكاناتها الواسعة ومقدراتها الكبيرة تحت تصرف واستخدام العصابات الصهيونية، كخطوة تمهيدية منسقة للإعلان رسميا عن إقامة الكيان الصهيوني.
حينها أصدرت بريطانيا مجموعة من الوعود المضللة لوجهاء المنطقة بأنها لن تسمح بالاستيطان في فلسطين إلا بقدر ما يتفق مع مصلحة السكان العرب من الناحيتين الاقتصادية والسياسية ولكنها في الوقت نفسه أصدرت أوامرها إلى الإدارة العسكرية البريطانية الحاكمة في فلسطين أن تطيع أوامر اللجنة اليهودية التي وصلت إلى فلسطين في ذلك الوقت برئاسة حاييم وايزمان خليفة هرتزل.
وبهذا فقد استكملت بريطانيا ومعها المنظمات الصهيونية وباقي دول البغي وبمباركة المنظمة الدولية حلقات المؤامرة على الشعب الفلسطيني وبدأت عمليات تهجير الآمنين وفتح الأبواب لاستقبال الآلاف من المغتصبين اليهود للسكن والإقامة في فلسطين بدون وجه حق.
منذ ذلك التاريخ والأرض الفلسطينية تنزف دماءً، فقد وقف شعبنا الفلسطيني المجاهد وقفة الصامدين العظماء في وجه هذا الوعد المشؤوم وقدّم خيرة شبابه ورجاله دفاعًا عن الوطن ومنعًا لإغراق فلسطين الطاهرة بأرجاس المهاجرين الذين قدموا من شتى بلاد العالم، ولا يزال إلى اليوم يحمل على أكتافه عبء المقاومة والجهاد والتصدي وتحرير الأرض، وهو الذي دفع بآلاف الشهداء في تاريخ جهاده الطويل منذ ثورة البراق عام 1929 مرورًا بثورة 1936 وحتى الانتفاضتين المباركتين والحروب التي خاضتها المقاومة الباسلة والتي كانت آخرها معركة سيف القدس المباركة لهو قادر على أن يدافع ويدفع كل ما بملك في سبيل تحرير هذه الأرض المباركة.
لم ينته الحلم الصهيوني بعد، فالحركة الصهيونية، التي بدأت بوعد بلفور، مرورا بكل الوعود الكاذبة والزائفة، لم تستكمل بعد كل أركان مشروعها فهي لن تكتفي بالوضع القائم من مصادرة الأراضي والتهويد والقتل المستمر وحالة التطبيع السريعة، بل يسعى بكل قوة في السنوات القليلة القادمة بعد تحقق الحلم الأصغر (إسرائيل) إلى تحقيق الحلم الأكبر (إسرائيل الكبرى) الممتدة من النيل إلى الفرات. إنه عصر (العلو الكبير) لبني إسرائيل الذي يعقب (الإفساد الثاني) الذي دام وامتد طيلة قرن من الزمن! بهذا تُنبئنا سورة الإسراء عنهم وتبشرنا نحن، في المقابل، بوعد الله لنا ودخول المسجد الأقصى منتصرين (وكان وعدًا مفعولًا). إنه (وعد الآخرة) الذي ننتظر تحققه بعد تحقق (وعد أولاهما).
فإن كان بلفور وعدهم بالدولة فوفى بوعده ثم وعدهم ترمب بإعلان القدس عاصمة لهم ووفى.. فالله عز وجل أكبر وأقوى وأوفى بالوعد.
العدو الصهيوني لا يزال يلهث وراء أوهام القوة، ولم يعلم أن شعبنا الفلسطيني المكافح لم يتعود على السكوت على الحق، ولا الصبر على الضيم، وإن الأيام سجال.