من الواقع استلهمت المهندسة المعمارية هبة وافي فكرة صناعة حجر من مكونات بيئية طبيعية مستخدمة التقنية التكنولوجية ثلاثية الأبعاد.
نالت وافي من محافظة خان يونس جنوب القطاع، عن مشروعها (hybrid local building) العديد من الجوائز، آخرها تتويجها بالمرتبة الأولى ضمن المسابقة التي نظمها الملتقى الإقليمي العربي حول "التصنيع الثقافي والاقتصاد الثقافي الرقمي"، الذي أقيم في تونس بمشاركة ٣٠٠ مشترك من مختلف الدول العربية.
وتدور المسابقة حول الموروث الثقافي الرقمي وتوظيفها للمساهمة في إثراء الاقتصاد العربي، إذ أطلق مركز تونس الدولي للاقتصاد الرقمي لمناسبة الملتقى مسابقة في مجال المشاريع الثقافية الرقمية أو "الهاكاثون العربي".
توضح وافي، البالغة من العمر خمسة وعشرين عامًا، أن المتسابقين يطرحون في "الهاكاثون" مشكلة ويحاولون إيجاد أفضل حلول لها، ويخضعون للتدريب على مدار ثلاثة أيام بإشراف مختصين.
وتبين أن مشروعها يعد بلورة عملية لمشروع التخرج وامتدادًا له وتحديثه واستبدال للآلات المستخدمة، إذ استوحت الفكرة من واقع الإسكان في قطاع غزة، والتحديات التي تواجهه المواطنين خاصة محدودي الدخل، وأيضًا اضطراب تدفق الإسمنت إلى غزة وأحيانًا فقدانه في الأسواق نتيجة إغلاق سلطات الاحتلال الإسرائيلي للمعابر، كما حدث في السنوات الماضية، وهي أزمة قد تتجدد في أي لحظة نتيجة للعوامل السياسية التي يعيشها القطاع.
وتوضح أن (hybrid local building) يقوم على إدماج التكنولوجيا الذكية في مواد بناء محلية تعتمد على تقنيات العمارة التقليدية.
وتشير إلى أن الهدف منه المشروع تقليل الوقت والجهد في البناء، وإيجاد حلول لمشاكل البناء البيئية في عمليات البناء والهدم، وتقليل كلفة الحصول على المواد الإنشائية، والصيانة والتكاليف التشغيلية للمباني.
وتوضح أن التصميم عبارة عن "مجاورة سكنية" على أرض حمد حيث يتم بناء المرحلة الثالثة من أبراج حمد السكنية في قطاع غزة.
وراعت وافي من خلال هذه التقنية إيجاد حلول لمشاكل الإسكان وإحياء العمارة التقليدية لكن بصورة عصرية يتقبلها الفرد وتراعي احتياجاته، إلى جانب الأخذ بعين الاعتبار محدودية توافر الإسمنت بشكل رئيس ومواد الإنشاءات بشكل عام في قطاع غزة بشكل يتسبب في ارتفاع ثمنه.
وإذ تلفت إلى المشاكل الإنشائية الناجمة عن الحروب الإسرائيلية العدوانية على غزة، تؤكد وافي أن القطاع غني بالموارد الطبيعة التي يمكن أن تحل محل الإسمنت في العمليات الإنشائية.
التربة المدكوكة
وسبق للمهندسة وافي أن حصلت على جائزة حسيب صباغ وسعيد خوري عن مشروع تخرجها المعنون "مجاورة سكنية باستخدام تقنية (Rammed earth)، كأفضل مشروع تخرج لعام 2019، وفي عام 2020 حصلت على جائزة من حاضنة الأعمال والتكنولوجيا (BTI)، ويجري العمل على المشروع حتى الآن.
وعن هذه التقنية، تذكر أنها تعني "التربة المدكوكة"، وهي واحدة من تقنيات البناء المتوافق وتعتمد بشكل أساسي على التربة والماء، ومن الممكن استخدام القليل من الإسمنت أو الجير أو الكركار، ولكن هذا ليس ضروريًّا.
أما عن آلية إنتاج هذه الحجارة، فتقول إن العملية تتم بإضافة الخليط في طابعة ثلاثية الأبعاد، أو من خلال ماكينة تعكف على تصميمها لصب الحجر تختلف في صناعتها وآلية عملها عن الماكينة العادية.
وتلفت إلى أن هذا الأسلوب يعد من أقدم أساليب البناء، وصديقًا للبيئة وقليل التكلفة في البلاد التي لديها عمالة رخيصة، كما تعطي شكلًا جماليًا للجدران دون الحاجة إلى الطلاء، ما يساعد على تقليل تكلفة بناء البيوت الكبيرة إلى نحو 40% من التكلفة الإجمالية.
وتوضح وافي أن تقنية التربة المدكوكة تتيح استخدام جميع أنواع التربة في موقع الإنشاء، في حين أن الجانب البيئي يتمثل في كون البناء كتلة حرارية لا تحتاج للتكييف صيفا ولا للتدفئة شتاء، وتوفر عزلًا صوتيًا وعزلًا للرطوبة، وعدم حاجة المباني للتشطيب الخارجي أو الداخلي.
وتؤكد وافي أن المشروع في حال تبنته جهة معينة تهتم بالإنشاءات، سينهض في الاقتصاد المحلي، وسيقلل من الاعتماد على الإسمنت، وسيسرع عملية البناء التي تتوقف باستمرار بسبب تعنت الاحتلال في إدخال المواد الإنشائية في كثير من الأحيان.
وتنبه إلى أن الفوز بالجائزة شكل حافزًا كبيرًا، لأن المسابقة عملت على إعادة انتشار للمشروع الذي تستمر على تطويره منذ عامين، ونقلته من المحلية إلى العالمية.