طرحت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" مؤخرًا عدة عناوين للنهوض بالمشروع الوطني الفلسطيني، وجاء ذلك على لسان رئيس مكتبها السياسي الأستاذ إسماعيل هنية خلال ندوةٍ في الثالث من تشرين ثاني عام 2021، وجاءت العناوين على النحو الآتي: "إعادة الاعتبار للمشروع الوطني، والاتفاق على الثوابت والأهداف، وإعادة بناء القيادة الفلسطينية متمثلة بمنظمة التحرير على أسس إدارية جديدة تضم كل المكونات الفلسطينية في الداخل والخارج، والاتفاق على برنامج سياسي للمرحلة الحالية وإستراتيجية نضالية، وإعادة الاعتبار لقضيتنا ومشروعنا الوطني في بعده العربي والإسلامي والدولي".
ويمكن وضع هذه العناوين الخمسة في إطار النوايا العامة وحسب، نوايا يُجمِع عليها غالبية الشعب الفلسطيني، اللهمّ خلا فكرة إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، حيث إن الحديث عن إعادة بناء المنظمة استمر لأكثر من أربعة عقود ماضية دون الوصول إلى أي نتيجة، وذلك لظروف موضوعية تتعلق بالمنظمة ذاتها، فكيف يكون الحال إذن بعدما اعترفت المنظمة بالكيان الصهيوني؟ وتنازلت عن قرابة 80% من أراضي فلسطين المحتلة؟ فبغض النظر عمّن يُهيمن على القرار في منظمة التحرير، وعن "أسس المنظمة الإدارية"، سيكون لزامًا على أي فصيل ينضم لها مستقبلًا الإقرار بكل التنازلات التي قدمتها المنظمة في الثوابت الفلسطينية.
تعيش منظمة التحرير حالة سبات عميق منذ عقود، فلعلَّ الأَولى تركها في سباتها، والبحث عن إطار يجمع كل الفصائل الفلسطينية التي ما زالت تؤمن بالتحرير، وبأن المقاومة المسلحة والاشتباك مع العدو هما سبيله الوحيد، وبوجوب تسخير بقية الأدوات في خدمة إستراتيجية المقاومة لا العكس.
أما عن الحجة القائلة بأن "المجتمع الدولي" يعترف بمنظمة التحرير, وبأنه لن يعترف بأي هيكلية جديدة يتوافق عليها الفلسطينيون، فيمكن الرد عليها بالقول: إن من يبحث عن الاعتراف الدولي يكون بالضرورة ممن يضع نصب عينيه طاولة المفاوضات، ولا يعقل أن تكون فصائل المقاومة الفلسطينية لم تتعلم الدرس من تجربة منظمة التحرير التفاوضية، التي كانت كارثية على مشروع التحرير الفلسطيني بكل ما تحمل الكلمة من معنى، ويشار هنا إلى تجربة حزب الله وحركة طالبان اللتان يعدهما "المجتمع الدولي" منظمات "إرهابية"، لكن عندما فرضا نفسيهما في الميدان اضطر العدو إلى التعامل معهما كأمرٍ واقع، هذا ناهيك عن تجربة "حماس" في انتخابات 2006 التي رفض "المجتمع الدولي" الاعتراف بها، فقط لكون من فاز بتلك الانتخابات كانت حركة فلسطينية تؤمن بالمقاومة سبيلًا للتحرير، ولم تتنازل عن أي أرض فلسطينية، فثمن الاعتراف الدولي معروف، وهو يتنافى مع الثوابت الفلسطينية، والأنكى أن هذا الثمن لا يعيد حقًا للفلسطينيين بحسب ما اكتشفنا من تجربة خديعة "أوسلو" وما سمي بعملية السلام.