فلسطين أون لاين

السيف الذي كشف هشاشة الأسوار وسَوأَة حاميها

على الرغم من مرور ما يقارب ستة أشهر على انتهاء معركة سيف القدس أو ما سُمِّيت زورا وبهتانا عملية حارس الأسوار فإن التقارير التي تناولتها وسائل الإعلام الإسرائيلية مؤخرا حول إخفاقات أذرع الجيش المتعددة في التعامل مع معضلة غزة تدل على أن الحلبة السياسية والعسكرية لا تزال تواجه صعوبة في احتواء فشلها للمرة الرابعة أمام غزة أو التعامل مع التداعيات السلبية لتلك العملية التي كشفت هشاشة الأسوار وسوأَة حاميها، كيف لا ونحن نتحدث عن جيش يدّعي أنه الأقوى في الشرق الأوسط، لكنه وجد نفسه عاجزا عن تحقيق الحسم أو الحفاظ على قوة ردعه وهيبته أمام تنظيمات عسكرية لا تقارن إمكاناتها بإمكاناته الهائلة، بل إن قيادته السياسية والعسكرية اضطرت للتنازل عن شروطها وأوهامها بتغيير المعادلة أمام غزة خشية تكرار الفشل ودفع الثمن سياسيا وعسكريا واجتماعيا

الفشل الاستخباراتي

بداية بفشل الأجهزة الأمنية في قراءة نوايا الطرف الآخر وتبنيها تقديرات موقف تشير إلى أن المقاومة لن تُقدم على تنفيذ وعودها وتهديداتها، بناء على اعتقادات خطأ أن المقاومة لن تضحي بالتسهيلات التي أقرتها الحكومة (الإسرائيلية) وموافقتها على استمرار دخول المنحة القطرية، وأنها ستقف موقف المتفرج إزاء ما يحدث في باحات الأقصى أو الاستمرار في جريمة التطهير العرقي وطرد سكان الشيخ جراح من منازلهم، أما الفشل الثاني الذي لا يقل خطورة عن سابقه فهو فشلها في توفير معلومات دقيقة وكافية عن مرابض الصواريخ وتحركات نشطاء المقاومة وما ترتب عليه من استمرار إطلاق الصواريخ وزيادة كثافتها حتى اللحظات الأخيرة، على الرغم من التقارير التي حرصت وسائل الإعلام (الإسرائيلية) على نشرها مرارا وتكرارا لتضخيم الإمكانات وتهويل القدرات الاستخبارية، عدا عن تشكيل إدارة بنك الأهداف التي أقرها رئيس هيئة الأركان أفيف كوخافي.

الجيش البري – القدم العرجاء في الجسم الهزيل

يكفينا تسليط الضوء على فشل خطة الخداع الاستراتيجية التي أعدتها قيادة المنطقة الجنوبية على مدار ثلاث سنوات لإيلام المقاومة وإيقاع أكبر عدد من القتلى في صفوفها، لكي نتعرف إلى مدى ضعف الذراع البري الذي وصفه الجنرال أهارون حليفا بالقدم العرجاء ومدى خشية قيادته على تحمل تداعيات المخاطرة بمناورة برية محدودة لا تتجاوز الدخول إلى عمق غزة لبضع مئات الأمتار، عدا عن فشله في تجنيد كم كافٍ من الآليات العسكرية لإيهام المقاومة وإقناعها بمصداقية بيانات المتحدث العسكري التي تحدثت عن بدء عملية عسكرية برية واسعة، هذه الحقيقة تنسجم مع المعطيات التي أشارت إلى تراجع الروح القتالية والدافعية لأداء الخدمة العسكرية وارتفاع معدلات الهروب من الجيش.

سلاح الجو

ضعف الذراع البري وفقدان ثقة القيادة السياسية والعسكرية بقدرته على تنفيذ المهام المنوطة به دفعاها للاعتماد أكثر وأكثر على سلاح الجو باعتبار استخدامه أقل خطرا وأكثر فاعلية، إلا أن نتائج التحقيقات الداخلية التي أجرتها قيادة الجيش كشفت عن فشله في الكثير من المهام التي كُلِف بها، فقد أشارت إلى النقص الكبير في المعلومات الدقيقة عن مرابض الصواريخ وتحركات المقاومين رغم الانتشار المكثف لطائرات الاستطلاع التي حلقت في سماء غزة على مدار الساعة، والأهم من ذلك هو فشله في إيقاف إطلاق الصواريخ تجاه العمق (الإسرائيلي) على الرغم من مشاركة ما يقارب 200 طائرة حربية من بينها ثماني طائرات شبح في العدوان على غزة. هذا الفشل يؤكد مقولة العميد احتياط تسفيكا فوجل بأن الجيش (الإسرائيلي) لديه القدرة على الدمار والقتل لكنه نسي معنى الانتصار.

سلاح البحرية

اقتصار دور سلاح البحرية على مهمة توفير الحماية لحقول الغاز والمنشآت الاستراتيجية الأخرى، فضلا عن مراقبة الساحة البحرية لإحباط العمليات الهجومية أدى إلى تحييده نسبيا وتقليص قدرته على المشاركة في الجهد القتالي الذي يتطلب مشاركة وتعاونا بين جميع الأذرع العاملة الأخرى، ما يعني استنزاف قدراته وإمكاناته في ظل تراكم التهديدات والتحديات.

الهزيمة في الساحة الإعلامية

حجم الدراسات التي تمحورت حول فشل المنظومة الإعلامية (الإسرائيلية) في التعامل مع الأحداث خلال معركة سيف القدس أو التغطية على الفشل العسكري والتخبط السياسي تدل على مدى أهمية الدور الإعلامي للحفاظ على الحصانة الاجتماعية من جانب وكسب التأييد الدولي من جانب آخر، عدا عن دورها في نشر الدعاية الإسرائيلية لتحطيم معنويات الخصم، إلا أن الضربة القاسية التي تعرضت لها هذه المنظومة جاءت من الداخل (هدف ذاتي) حينما ساهمت وسائل الإعلام في ترويج البيانات الكاذبة والمضللة للمتحدث باسم الجيش وعرض صورة خيالية لا تمت للواقع بصلة، وهو ما أفقد المتحدث باسم الجيش مصداقيته أمام المجتمع المحلي والدولي على حد سواء.

وما بين الفشل الاستخباراتي والإخفاقات العملياتية تتضح الصورة لتؤكد أن صاحب الحق والإرادة القوية هو الذي سينتصر طال الزمن أو قصر، وأن البقاء لمن يستطيع التأقلم ولمن يمتلك القدرة على دفع الثمن والتضحية، وليس للأقوى أو من يمتلك أكثر الأسلحة وأحدثها لأن (السلاح لا يحمي الهامل).