"يا يحيى خذ الكتاب بقوة"
وحدك يا أمير الفدائيين، تعلو فوق الجراح، ترحل إلى الشمس دون أن تحترق، وتغدو في قسمات الوجوه ذكرى لا تُنسى، وملامح لا تُمحى. ترتسم على وجوه العائدين إلى مقام العز، وتجمع في كفك المباركة خيوط البطولة والشهادة، فتصوغ منها نسيجًا من الأمل، تبسطه فوق شوارع غزة، في الحارات، في الأزقة، على ركام البيوت الذبيحة، وتحيك منه لكل فتى كوفية، ولكل فتاة علمًا، ولكل جريح ضمادة، ولكل ثائر بندقية.
أن يترجّل فارس فلسطين في ميدان الشرف، ليس أمرًا طارئًا على تاريخ هذا الشعب، بل هو قدر المجاهدين منذ أن أعلنوا دفاعهم عن دينهم ووطنهم وكرامتهم. وعندما يترجل القائد في قلب المعركة، حيث لا مكان إلا للأبطال، فإننا نزداد قربًا من النصر، لأن الطريق إلى الحرية لا يُعبد إلا بدماء الشهداء، ولا يُضاء إلا بتضحياتهم التي لا تشوبها خيانة، ولا تُخدش برياء أو خذلان. وإن القلم ليعجز عن الوفاء بحقه، وهو القائد الفارس، خرج في سبيل الله، واضعًا عينيه على القدس، وقلبه في عسقلان، وجسده في درب الشهادة، منصهرًا في حب الله والوطن.
صوّب عزيمته، التي تَشكّلت على مدى عقود، إلى صدر المحتل، فحفر مع رفاقه في قلب الأرض نفقًا نحو النور، وأسقط بيت العنكبوت بطوفان الأقصى. كانت غزة في ملحمته عصية، حرة، شامخة، ورفع الراية في كبرياء، حاملاً روحه على كفه، وبندقيته على كتفه، لا يساوم ولا يلين، حتى بعد عشرين عامًا وثلاثًا في سجون العدو، ظل وفياً لقسمه، من قيادة هيئة الأسرى إلى رئاسة المكتب السياسي، إلى ميادين العزة والكرامة. بقي مطارَدًا لا يكل، وفارسًا لا يُكسر، حتى رزقه الله خاتمةً تليق بالأبطال.
نجح مع إخوانه في صوغ ملاحم لا تُنسى، من "العصف المأكول"، إلى "سيف القدس"، حتى جاء يوم السابع من أكتوبر، يوم الوعد الصادق، يوم فلسطين المجيد، فأطلق شرارة التحرير، وفى بالقسم، وارتقى على درب الأسرى والمسرى، ليغدو عظمه مكاحل، كما تمنى، في مشهد يفوق كل أساطير التاريخ.
يا يوم السادس عشر من أكتوبر 2024، يا ملحمة كتبتها دماء الطاهرين، اشهد أن هذا القائد كان نعم الشهيد، ونعم الحي عند ربه، له تكبر مآذن القدس، وتهلل مساجد العالم، وهنيئًا له الكتاب الذي أخذه بقوة، وهنيئًا له وسام الخلود. فقد سطّر الغد بدمه، وأنبت على الأرض كرامة لا تذبل، وعزًا لا يبور، وصار علامة للقادة والمجاهدين، كيف تكون الملاحم، وكيف يُصنع النصر.
أومأ مبتسمًا، فالنبتة التي زرعها أصبحت عصية على الاقتلاع، وجيش التحرير الذي آمن به يمضي لتحرير فلسطين والقدس وعسقلان، وهذا ما عاش له، وهذا ما استشهد لأجله... (ولتعلمن نبأه بعد حين).

