انتهت الجولة الرابعة من الانتخابات الإسرائيلية دون أن تُحدث تغيُر ملموس في تقسيمة الخارطة السياسية وبَدَت الحيرة على وجوه المحللين والمختصين وطُرحت التساؤلات حول كيفية الخروج من المأزق السياسي ودوامة الانتخابات التي تتواصل منذ عامين تقريبا دون ان يتمكن أحد المعسكرين من الحصول على العدد الكافي من المقاعد لتشكيل الحكومة القادمة , فما بين سيناريو معقد إلى الأكثر تعقيدا لينتهي المطاف إلى صورة قاتمة وضبابية حول مستقبل الخارطة السياسية في (إسرائيل) واحتمالية العودة إلى مربع الانتخابات مرة خامسة.
وبعيدا عن الخوض في السيناريوهات المتعددة وإمكانية نجاح رئيس الحكومة الحالية بنيامين نتنياهو في جمع الشتات وجسر الهوة بين التناقضات والاختلافات حتى داخل معسكره أو نجاح أحد منافسيه من معسكر اليمين أو الوسط في التوصل إلى صيغة ائتلافية تجتمع عليها أحزاب الوسط واليمين واليسار نكتفي باستعراض المدلولات التي أفرزتها نتائج الانتخابات الأخيرة وتداعياتها:
المدلولات:
عُقم المنظومة السياسية في (إسرائيل) وعجزها عن إيجاد بديل لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو رغم مرور سنوات طوال على توليه المنصب وفشله المتكرر في تشكيل الحكومة أو الحفاظ على استقرارها على مدار العامين الماضيين، عدا عن قضايا الفساد الموجهة ضده وهو ما ينسجم مع استطلاعات الرأي التي تشير إلى أن 57% من الجمهور الإسرائيلي يعتقدون بأن المنظومة الديمقراطية في (إسرائيل) تمر بمرحلة خطيرة جدا.
فقدان حالة الاستقرار السياسي ووصول الأزمة السياسية لنقطة اللاعودة وما يترتب عليها من صعوبة بل استحالة تشكيل حكومة مستقرة قادرة على العمل بشكل منظم وامتلاكها القدرة على اتخاذ قرارات هامة.
تضاؤل بل انعدام فرصة أي حكومة من إتمام مدة ولايتها القانونية وزيادة احتمالات تكرار الانتخابات مرة تلو الأخرى لاسيما وأن الحلبة السياسية حُبلى بالقضايا الخلافية التي تطال جميع مناحي الحياة بدءا من القضايا الدينية مرورا بالسياسية وليس انتهاء بالاقتصادية وليس أدل على ذلك هي قضية التجنيد والبناء في المستوطنات وحرمة السبت.
تلاشى قوة وهيبة الأحزاب السياسية الوازنة كحزبي الليكود والعمل وفقدانهما القدرة على بسط السيطرة أو تطبيق سياسة موحدة، إذ أنها ستكون مضطرة للخضوع لإملاءات وابتزازات الأحزاب الصغيرة التي تمنحها شريان الحياة وشرعية تشكيل الحكومة.
أظهرت السيطرة التامة لجمهور اليمين بجميع تصنيفاته العلمانية والدينية على المشهد الإسرائيلي برمته إذ أنها باتت تستحوذ على ثلاثة أرباع مقاعد الكنيست تقريبا.
أعادت الحياة لأحزاب اليمين المتطرف كحزب (عوتسما يهوديت) و(الصهيونية الدينية) اللذان ينتميان أيدلوجيا لحزب (كاهانا) صاحب شعار طرد العرب من أراضي 48 وإقامة دولة (إسرائيل الكبرى).
فشل محاولات نتنياهو رفع أسهمه في الشارع الإسرائيلي وتحقيق رغبته في الحصول على 40 مقعد لتشكيل الحكومة من خلال تجنيد اتفاقيات التطبيع مع بعض الدول العربية والحصول على كمية كافية من التطعيمات ضد الكورونا؛ بل إنه فشل حتى في الحفاظ على المقاعد التي حصلها عليها خلال الانتخابات الماضية إذ أنها تراجعت من 36 إلى 30 مقعدًا.
التداعيات
تكريس حالة الانقسام داخل المجتمع الإسرائيلي مع إمكانية تفاقهما أكثر وأكثر وهو ما ينسجم مع الدراسة التي نشرها معهد جيشر التي أظهرت أن 62% من الجمهور الإسرائيلي يعتقدون بأن حالة الانقسام باقية وستتمدد مع مرور الوقت.
تفاقم ظاهرة فقدان ثقة الجمهور الإسرائيلي بالمؤسسات الحكومية والأحزاب السياسية على وجه الخصوص وذلك على ضوء المعطيات التي نشرها المعهد الإسرائيلي للديمقراطية حيث أشارت إلى أن ثقة الجمهور بالحكومة تراجعت إلى 25% خلال عام 2020, أما الكنيست فقد تراجعت إلى 21% والأحزاب السياسية إلى 14%.
تراجع المكانة السياسية لـ(إسرائيل) وقوة نفوذها لاسيما وأن تماسك الحلبة السياسية يعتبر من أهم عوامل الحفاظ على الأمن القومي وإقامة علاقات سياسية واقتصادية مع دول العالم.
التراجع المحتمل للنشاطات الاقتصادية وللاستثمارات الخارجية، لاسيما وأن الاقتصاد بحاجة إلى بيئة سياسية مستقرة وقادرة على تحديد وتحديث السياسات المالية والنقدية والتعامل مع التحديات والمتغيرات العالمية والمحلية.
صعوبة إقرار الميزانية وما يترتب عليه من شلل للعمل المؤسساتي وتطبيق الخطط، فعلى سبيل المثال لازالت خطة (تنوفا) العسكرية في إطارها النظري ولم تخرج إلى حيز التنفيذ بسبب الأزمة السياسية وعدم إقرار الميزانية منذ عام 2019.
استمرار الصراع حول الطابع الديني للدولة بين الأحزاب الحريدية والعلمانية وتفاقم الصراع بين السلطة القضائية التي تحاول الحفاظ على مكانتها وصلاحياتها وبين السلطة التشريعية التي تحاول ترويضها والتحكم في قراراتها خصوصا فيما يتعلق بقضايا الفساد السياسي والاستيطان.
هذه المدلولات وما تحمله من تداعيات سلبية على مستقبل (إسرائيل) وتراجع قوتها ومكانتها السياسية وما سبقه من تراجع لقوتها العسكرية من خلال انسحاباتها المتتالية من لبنان وغزة على مدار العقدين الماضيين يدل على أن نجمها في أفول وأن بقاءها مرهون بطبيعة التغيرات التي ستشهدها المنطقة لاحقا.