"أتمنى ألا تندلع حرب بين "إسرائيل" وأعدائها في السنوات القادمة، لأن الجيش يمر بأسوأ حالاته منذ عشرات السنين". هذه الكلمات جاءت على لسان يتسحاق بريك أحد الجنرالات المخضرمين والمُطَلِع على حيثيات وتفاصيل ما يجري داخل أروقة الجيش وأذرعه العسكرية، أما العقيد احتياط أماتسيا حن فقد اعترف أن نظرية الأمن الإسرائيلية لم تعد فعالة لأن الجيش لم يتمكن من تحقيق أي انتصار منذ عام 1982، هذه التصريحات تكشف عن عمق الأزمة التي يمر بها جيش الاحتلال الإسرائيلي، فرغم محاولات قيادته الحفاظ على أسطورة (الجيش الذي لا يُقهر) وتهديد المراسلين العسكريين بعدم السماح لهم إعداد تقارير أو الحصول على معلومات في حال عدم التزامهم التعليمات أو الكشف عن نقاط ضعفه، عدا عن تهويل الإمكانات وتكرار الحديث عن التدريبات والجاهزية لخوض حرب على عدة جبهات في آن واحد؛ إلا أن قراءة الواقع والأحداث التي عايشناها خلال السنوات الماضية تثبت العكس وتؤكد مقولة أحد الضباط (من يعتقد أن الجيش والأجهزة الامنية لديهم القدرة على التعامل مع التحديات فهو واهم).
معضلة سلاح الجو
حساسية المجتمع الإسرائيلي للخسائر البشرية، وخشية المستوى السياسي والعسكري من تحمل المسؤولية عنها، دفعهم للاعتماد شبه الكلي على سلاح الجو وتجنب القيام بمناورات برية واسعة, وهو ما حذر منه الجنرال يائير جولان الذي وصفه بالكارثة، لا سيما أن المواجهات والجولات العسكرية السابقة أثبتت أن إمكاناته الهائلة وقوته التدميرية لم تؤهله إلى تحقيق الحسم أو حتى وقف إطلاق الصواريخ، وقد تجلى ذلك خلال العدوان الأخير على غزة عام 2014 حيث اعترف (جولان) أن سلاح الجو أطلق أكثر من 1200 صاروخ موجه تجاه أهداف وهمية للتغلب على حالة الإحباط الناتجة عن فشلهم في إنهاء الحرب رغم مرور أكثر من 50 يوما، فهل سيتمكن سلاح الجو من توفير حلول للتهديدات المتزايدة والمهام المتراكمة التي تتمثل:
1- تشغيل منظومات الدفاع الجوي لحماية قواعده العسكرية والمنشآت الاستراتيجية والقدرة على اعتراض عدد كبير من الرشقات الصاروخية في آن واحد.
2- حماية الجبهة الداخلية في ظل الحديث عن افتقار2,6 مليون إسرائيلي لتحصينات مناسبة كما كشف عن ذك تقرير مراقب الدولة مؤخرا.
3- الحفاظ على مخزون احتياط من صواريخ الاعتراض باهظة الثمن " صاروخ حيتس 3 مليون$، صاروخ الصولجان السحري مليون$ صاروخ تامير 50ألف $ تقريبا" لاسيما أن سيناريوهات أي مواجهة مستقبلية تتحدث عن سقوط أعداد كبيرة من الصواريخ يوميا في العمق " الإسرائيلي"
4- مساندة القوات البرية في قصف الأهداف وجمع المعلومات وتحديثها لمتابعة مطلقي الصواريخ ومرابضها.
5- القدرة على العمل الدفاعي والهجومي في نطاق جوي ضيق نسبيا خصوصا بعد التقارير التي تشير إلى امتلاك (أعدائها) كمية لا يُستهان بها من الحوامات والطائرات المسيرة الهجومية.
معضلة الجيش البري
ضرورة تفعيل الجيش البري لتحقيق الحسم أو بعض الإنجازات يحظى بإجماع الخبراء العسكريين إلا أن هذا الحلم يصطدم مع الواقع، فلم يعد الجيش البري قادرًا على القيام بالمهام التقليدية مما حدا الجنرال أهارون حاليفا لوصفه بالقدم العرجاء وقد ساهم في ذلك عدة أمور:
1-تفضيل استخدام سلاح الجو وتخصيص الميزانية الهائلة له على حساب الجيش البري.
2- الافتقار للعنصري البشري القادر على المواجهة والاستعداد للتضحية، وظهور جيل يرفع شعار" ما الذي أستقيده من الخدمة العسكرية" وقد تجلى ذلك بتراجع الدافعية التجند للوحدات القتالية وزيادة نسبة التهرب تحت ذرائع متعددة أهمها المرض النفسي.
3- عدم جاهزية جيش الاحتياط الذي يعتبر العمود الفقري لأي عمل عسكري بسبب نقص التدريبات، والقدرة على مواكبة التطورات لتشغيل المنظومات التكنولوجية الحديثة.
4- تقليص عدد الضباط في الخدمة الدائمة من 45 ألف إلى 40 ألف ما يزيد من حجم الأعباء وعدم القدرة على القيام بالمهام الفنية والإدارية.
5- تقليص مدة الخدمة الإلزامية من ثلاثة أعوام إلى عامين ونصف وما يترتب عليه من تراجع المهنية والخبرة العملية ونقص الوحدات اللازمة للقيام بنشاطات الأمن الجاري أو المهام القتالية في أي مواجهة مستقبلية كما حذر من ذلك الجنرال احتياط يعقوب عميدرور.
معضلة سلاح البحرية
سلاح البحرية يقوم بدور تكاملي في إطار العمل المشترك مع بقية الأذرع، ما يعني أن تراجع أدائها سيؤثر سلبا علي أدائه وسيزيد من حجم الأعباء وصعوبة القيام بالمهام المنوطة به:
- حماية حقول الغاز والمنشآت الاستراتيجية وسفنها البحرية من خطر صواريخ الياخونت التي يمكن إطلاقها من مسافة 300 كم وعلى ارتفاع منخفض يصعب على الرادار اكتشافه.
- حماية الشواطئ من عمليات التسلل والنطاق البحري من عمليات تهريب السلاح.
- الحفاظ على استمرارية النشاطات التجارية عبر البحر لا سيما وأنها تشكل 98% من حجم النشاطات الاقتصادية لـ"إسرائيل".
- العمل في نطاق بحري محدود في ظل التقارير التي تتحدث عن امتلاك "أعدائها" قوارب مسيرة.
- التغلب على مشكلة النقص في الآليات البحرية حيث أشارت تقارير هيئة الأركان العامة أن سلاح البحرية بحاجة إلى 25 آلية بحرية وتحسين إمكاناته لسد الثغرات.
أمام هذا الواقع فإن "إسرائيل" لم ولن تقف مكتوفة الأيدي وستواصل عملياتها في إطار رؤية (المعركة بين الحروب) التي تمنحها الفرصة للتهرب من المسؤولية وتجنب الدخول في مواجهة عسكرية. كما ستواصل تطوير إمكاناتها التكنولوجية والاستخباراتية.