لما كان لشهر رمضان خصوصية في كل ناحية من نواحي الحياة؛ فإن له أيضًا خصوصية في طبيعة الطعام المقدم على مائدة الإفطار، بعد أن يكون المسلم قد قضى ساعات طويلة، جائعًا عطِشًا، ولا يُستثنى من ذلك مائدة السحور الذي يكون آخر طعام يتناوله الشخص قبل الإمساك عن كل ما يدخل الجوف حتى مغيب شمس ذلك اليوم.
ففي السودان يشرب السودانيون شراب الآبريه ويعرف بــ"الحلو- مر"، وهو شراب يروي الظمأ في مناطق السودان المرتفعة الحرارة. يبدأ السودانيون بتحضير الآبريه قبل رمضان بعدة أشهر، والآبريه هي ذرة ينقعها السودانيون في الماء حتى تنبت جذورها، ثم تجفف في الشمس، وتطحن مع بهارات خاصة، وتعجن، وتصنع منها رقائق تخبز في الفرن، وتحفظ حتى إذا جاء شهر الصيام تُنقع ليصبح ماؤها أحمر اللون وتشرب فتروي الظمآن.
وفي نيجيريا يبدأ النيجيريون إفطارهم بشراب اسمه "الكوكو" (الحوم)، الذي يصنعونه من الذرة وهو أصفر اللون، ويضاف إليه السكر، يفطرون بتناوله، ويهبون إلى صلاة المغرب ثم يعودون لتناول طعام الإفطار الأساسي بعد ذلك.
وفي الصومال يروي الصوماليون عطشهم بحليب النوق، الذي يؤمنون أنه يقاوم العطش والحموضة، ويحرق الدهون، وأنه أكثر فائدة من المشروبات المصنعة والمستوردة، يخلط الصوماليون حليب النوق بالذرة الشامية ويصنعون عصيدة يتناولونها قبل الإمساك عن الطعام فجرًا.
ويقبل أهل مكة المكرمة على تناول مشروب السوبيا العريق، الذي تخصصت في صنعه عائلات عريقة بمكة، وتوارثت أسرار وخبرات صنعه الأحفاد عن الأجداد، وقلما تجد من يستطيع صنعه منزليًّا لصعوبة تحضيره، لهذا يصطف الناس بعد صلاة العصر في طوابير للحصول على المشروب من مصنعيه.
ويُصنع السوبيا من الشعير أو الخبز المجفف، أو الشوفان، أو الزبيب، أو التمر الهندي، ويضاف إليه السكر بعد تصفيته، والهال والقرفة ويخلط بمقادير محددة، ويوضع فيه الثلج، ويُشرب باردًا، وللسوبيا ألوان متعددة، منها الأبيض المصنوع من الشعير، والأحمر المصنوع من الزبيب، والبني من التمر الهندي، ولا يحتفظ بالسوبيا أكثر من ثلاثة أيام، لأنه سريع التلف.
وفي مصر يشتهر شراب العرقسوس، وهو من أشهر المشروبات الرمضانية، وقد عُرف منذ القدم، فقد كان يستعمله الأطباء المصريون لعلاج أمراض الكبد والأمعاء، ويرتدي بائعو العرقسوس في مصر ملابس تراثية جميلة وخاصة، وينتشرون في الشوارع يحملون على أكتافهم إبريقًا أنيقًا معدنيًّا أصفر اللون، ويُحضر العرقسوس من نبتة العرقسوس المنقوعة، ويضاف إليها السكر والماء البارد بعد تصفيتها.
أما في تركيا فيُكثر الأتراك من شرب العيران الذي يسمى أيضًا الشنينة، ويحضر العيران من اللبن الزبادي ومكونات أخرى تعطيه طعمًا مميزًا، ليوضع بعدها في إبريق نحاسي أو فضي ملحق به أكواب من نوع الإبريق نفسه، ما يعطيه طابعًا أصيلًا وقديمًا، يشربه الأتراك طوال أيام السنة، لاسيما في رمضان على مائدتي الإفطار والسحور.
وفي العراق يشرب العراقيون شاي الكوجرات، الذي يحوي منقوع الكركديه الأحمر اللون، لإيمانهم بأنه يحمي من الجفاف، فيشربونه باردًا عند الإفطار، وفي السحور، ليطفئ عطشهم.