كشفت الأوساط الأمنية التركية في الأيام والأسابيع الأخيرة شبكة تجسس إسرائيلية تعمل داخل بعض المدن التركية، ما يشير إلى اجتهاد المؤسسة الأمنية الإسرائيلية متمثلة بجهاز الموساد في تفعيل خلايا التجسس، بتجنيد العملاء والجواسيس لها في دولة مهمة مثل تركيا، مع أنها تسعى إلى ترميم علاقاتها الثنائية معها، منذ القطيعة التي وقعت مع أحداث سفينة مرمرة أواسط 2010.
ما كشفت عنه وسائل الإعلام التركية في الأيام الأخيرة من معلومات تفصيلية عن شبكة تجسس الموساد تشير إلى سلسلة من الأهداف الخفية والمعلنة، ربما يبدو متوقعًا وضعها على أجندة الموساد، أهمها جمع المعلومات الأمنية والاستخبارية عن تركيا، لا سيما تنقلات حاملي الجنسيات الأجنبية فيها، وتزعم (إسرائيل) أنهم قد يشكلون خطرًا عليها مستقبلًا، وإمداد أجهزتها الأمنية بكل معلومات تفصيلية عن دولة صاعدة مثل تركيا، في كل المجالات، ومنها: الاقتصادية والاستثمارية، وحركة البورصة وتداول الأوراق المالية، والحصول على معلومات تخص بعض الشخصيات.
بعيدًا عن تفاصيل شبكة التجسس التي يفترض أن تركيا تكتمت على المزيد من مهامها الخاصة لاعتبارات أمنية بحتة، وكشفت فقط عن قمة جبل الجليد منها؛ شكل التجسس لـ(إسرائيل) وما زال سياسة ثابتة تجاه جيرانها، ذلك أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تعتقد أن التجسس سيبقى عنوانًا أساسيًّا لسياستها الخارجية، انطلاقًا من محددات لا يمكن أن تختفي بين يوم وآخر.
لعل أهم هذه المحددات الجانب العسكري، في ضوء تزايد احتمالات الصراع المسلح بين (إسرائيل) وعدد من الأطراف المجاورة لها، وتلويحها بشن حرب إقليمية، وتنامي الاهتمام التركي بحيازة قدرات عسكرية لافتة، شعرت (إسرائيل) أنها قد تكسر التوازن القائم في المنطقة، لا سيما مع حالة الفتور الذي أصاب علاقتهما، وتخوف (إسرائيل)، وتحفظها الشديد من التوسع التركي الحاصل في المنطقة، واضطلاعها الأخير في الصراع الأرمني الأذري.
هناك نظرة إستراتيجية إسرائيلية مستقبلية تجاه تركيا، ورغبة بأن تكون على متابعة مكثفة وحثيثة دائمة لما يدور في ذلك البلد، لا سيما أنها تدرك جيدًا أن الداخل التركي في عمومه معادٍ لها، مع بعض الفروقات داخل هذا التيار أو ذاك، وبالتالي لا تريد تحقق ما تعده كابوسًا يتمثل باتساع رقعة العداء التركي لها، وتزامنه مع زيادة علاقات تركيا الخارجية بعيدًا عن (إسرائيل).
لهذا كله كان متوقعًا أن تسعى (إسرائيل) -ولن توقف مساعيها- إلى تفعيل المزيد من خلايا التجسس لمعرفة كل ما يحصل داخل تركيا، ما يعني أن حرب جواسيسها مستمرة مع أنها لم تطلق خلالها رصاصة واحدة حتى الآن، ولم تشغل فيها قنبلة، بل هي حرب مراوغة تنجح فيها (إسرائيل) حينًا بفضل نجاحها في جمع معلومات عن الطرف الآخر، لا سيما الدول العربية المجاورة، وتفشل أحيانًا حين تتنبه لها القوى الحية، كما حصل في تركيا.