كشف آخر استطلاع للرأي أجراه معهد ميتافيم الإسرائيلي للسياسات الخارجية والإقليمية عن نتائج لافتة حول مواقف الإسرائيليين من جميع قضايا الساعة، لا سيما مستقبل الصراع مع الفلسطينيين، والتشابكات الإسرائيلية الداخلية، والعلاقة مع الإدارة الأمريكية، فضلا عن اتفاقيات التطبيع، وآخرها الرؤية الإسرائيلية للاتحاد الأوروبي، وهنا بيت القصيد.
فقد عبر قرابة نصف الإسرائيليين المستطلعة آراؤهم عن اعتقادهم بأن الاتحاد الأوروبي عدو، وليس صديقًا، ما أثار الكثير من التساؤلات الإسرائيلية والأوروبية معاً، بشأن وجاهة هذه النسبة من جهة، وأسبابها ودوافعها من جهة ثانية، والأهم نتائجها المتوقعة من جهة ثالثة.
ربما لا تشكل نتائج هذا الاستطلاع مفاجأة لمن يتابع الملف الإسرائيلي، وتفاصيله الداخلية وانعكاساته الخارجية، لا سيما على صعيد العلاقة مع الأوروبيين، التي شهدت في السنوات الأخيرة، خاصة منذ حكم بنيامين نتنياهو بين عامي 2009-2021، توترات متلاحقة، وصلت إلى حد القطيعة مع بعض الدول، واستدعاء السفراء من دول أخرى، وصدور مواقف وبيانات وتصريحات عنهما لا تعبر البتة عن علاقات صداقة، بقدر ما هي خصومات متجذرة.
صحيح أن دولة الاحتلال، وهي تسوق نفسها عالميا، تزعم أنها امتداد للمنظومة الغربية، لاسيما الأوروبية والأمريكية، من أجل الحصول على مشروعية الدعم والرعاية والحماية، وقد نجحت في ذلك خلال العقود الأولى من تأسيسها بدعم بريطاني وفرنسي وأمريكي بالدرجة الأولى، وصولا إلى الرعاية الألمانية بسبب عقدة الذنب التاريخية التي نشأت بعد أحداث المحرقة في الحرب العالمية الثانية، وهناك دول وفرت دعما إعلاميا وسياسيا واقتصاديا.
لكن الدعم والرعاية بدآ يتناقصان مع قيام حكومات أوروبية جديدة لا تعتنق الآراء ذاتها التي أسست لنشوء دولة الاحتلال، فضلا عن وجود أجيال أوروبية تتبنى قيم الحرية والعدالة وحقوق الإنسان، وترى في دولة الاحتلال مخالفة لكل هذه القيم، بل تطالب حكوماتها بالوقوف عند مسئولياتها، والتزامها بالشعارات التي ترفعها، بعيدا عن ازدواجية المعايير التي دأبت أوروبا على انتهاجها طيلة العقود والسنوات الماضية، خاصة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
هناك السياسة الإسرائيلية الاستيطانية التي تنتهك كل الأعراف الأوروبية، وتُنشئ ما يمكن تسميته جدارا عازلا بين الحكومات والموطنين الأوروبيين أنفسهم، ما ضيق هامش المناورة أمام عواصم الاتحاد في المواءمة بين مصالحها السياسية والأمنية مع (إسرائيل)، وفي الوقت ذاته عدم الموافقة "العلنية" على خرق شعاراتها الإنسانية.
يبقى الموقف الفلسطيني اللازم والمطلوب تجاه هذا التطور المهم في التوتر الأوروبي الإسرائيلي، والمطلوب إزاء مفاقمة هذا التوتر، ومدى الاستفادة الفلسطينية منه، على اعتبار العودة التدريجية للقارة الأوروبية إلى المنطقة أمام الانسحاب الأمريكي التدريجي منها، وهي فرصة ربما يتطلب الموقف استثمارها وتوظيفها، والبناء عليها.