فلسطين أون لاين

خلافة مُعقَّدة

ثمة مخاوف حقيقية من غياب مفاجئ لرئيس السلطة محمود عباس دون إعداد (خليفة مناسب) يمكن أن يقود السلطة من بعده، خصوصا أنه لا يعمل بأي صورة لترتيب هذا الأمر، سواء بالتمهيد من خلال تعيين نائب له، أو العمل على إجراء معالجات سياسية ووطنية يمكن أن تهيئ المشهد لهذا التغيير، لأنه لا يقبل بهذا الطرح ولا يفكر بإعطاء الفرصة لأحد، وأي نقاش أو طرح في هذا السياق يعده في إطار المؤامرة عليه.

الأمر الذي يخلق تهديدًا حقيقيًّا في ظل تعنته ورفضه، فالأطراف العربية مثل: (الأردن ومصر والسعودية، ودول أخرى) تتخوف من حدوث حالة فراغ في المشهد السياسي، وحدوث صراعات على السلطة، وربما حدوث انهيارات متتالية فيها، فضلا عن الخشية من تمدد نفوذ وسيطرة حركة حماس، لكونها التنظيم الأكثر انضباطا وتنظيما وحضورا في الساحة الفلسطينية، ويمكنها ملء الفراغ بسهولة من خلال نشاطها السياسي والعسكري في ظل ترهل فتح وتنامي صراعاتها الداخلية.

هي ذاتها المخاوف تخشاها الإدارة الأمريكية، وكذلك حكومة الاحتلال الإسرائيلي، لأنهما يريدان تغيير واستبدال أمن لا يخلّف أي نتائج كارثية يمكن أن تنعكس على الأمن الإسرائيلي وعلى المشروع السياسي الذي ترعاه الإدارة الأمريكية، ولا يرغبان بأي صورة أن تحدث متغيرات تفرز قيادة حمساوية على رأس السلطة، لذلك فإن هذه الأطراف جميعها تتحسب لليوم التالي لرحيل عباس لأنه سيكون يومًا ثقيلًا وعبئًا أثقل، وكأنها (مركبة عجوز) توقفت في منتصف الطريق الذي سيمر منه قطار؛ فتداعى الجمهور لإنقاذها في الدقائق الأخيرة قبل حدوث الكارثة.

وفي الوجه الآخر فإن الفلسطينيين أيضا يشعرون بقلق شديد من المرحلة المقبلة لأنهم يخشون أيضا من حدوث متغيرات يمكن أن تؤدي إلى اندلاع صراعات جديدة تؤدي إلى تعميق الانقسام والانفصال في ظل وضع سياسي ووطني معقد أفرزه رئيس السلطة، والذي حطم المشروع الوطني، وقسم الوطن لشطرين متناحرين نتيجة إدارته لشق من الوطن (الضفة الفلسطينية) وتجاهل الشق الآخر (قطاع غزة) في إطار المناكفة السياسية مع حركة حماس.

فضلا عن تسببه بحدوث كوارث أخرى منها: 1- حل المجلس التشريعي، 2- تقديس التعاون الأمني مع الاحتلال، 3- رهن المشروع الوطني بما تراه الإدارة الامريكية، 4- تجريم المقاومة المسلحة، 5- فرض عقوبات قاسية على القطاع، 6- إفشال جهود المصالحة الوطنية، 7- وتدمير حركة فتح وإقصاء قياداتها الوطنية الفاعلة، 8- التحريض المستمر لإبقاء الحصار وشيطنة حركة حماس.

كل ذلك وأكثر هي عناوين لتفاصيل صعبة ومؤلمة تورط بها هذا الرجل دون أن يعطي نفسه فرصة سواء "لتصويب المسار أو الاعتراف بالخطأ" أمام الفلسطينيين، لأنه لا يعتقد أنه يمكن أن يخطئ؛ عادًّا نفسه (زعيمًا ملهمًا) يقود الشعب الفلسطيني بكل حكمة واقتدار إلى الهدف الأسمى، وهو التحرير وبناء الدولة، على الرغم من أنه يرى حجم وعمق الكارثة والمصيبة التي أحلت أو أحلها بشعبنا، لكنه فاقد البصر والبصيرة ويخيل إليه أنه يسير بخطى ثابتة نحو الدولة العتيدة بعد أن طُربت أو أُطربت أذناه بحديث مستشاريه من حوله.

فمن ينظر للمشهد الفلسطيني الآن (بعلاته المتشابكة) يعلم أننا نسير إلى مصير مجهول، ما لم يُتدارك الأمر، وذلك باعتقادي يكون من خلال خيارات متاحة تتركز في اثنتين: أولاهما؛ إجراء انتخابات عامة رئاسية وتشريعية ومجلس وطني لإفراز قيادة جديدة، وإعادة بناء وتجديد شرعية المؤسسات، وثانيهما؛ العمل فورًا على تنفيذ توافقات وطنية لمعالجة الأزمات الراهنة، والاستعداد للتطورات القادمة عبر إعداد صيغ ورؤى للتعامل مع كل الملفات بمشاركة فاعلة من المجموع الوطني، بما يضمن حماية وتحصين المشروع الوطني ويمنع انهيار المؤسسات.

لكن وعلى الرغم من وضوح الرؤية ووجود هذه الخيارات على طاولة المجموع الوطني، فإنه حتى الآن يصعب تنفيذها؛ نتيجة تعنت رئيس السلطة وعدم تحمسه لأي منها، فهو معني أكثر من غيره في بقاء الوضع الراهن، ولا يرغب بإعطاء فرصة بحدوث أي تغيير، لأن لديه مخاوف من أن تؤدي خطوة مماثلة لإخراجه خارج اللعبة السياسية، وعليه فإن الوضع الفلسطيني سيبقى يراوح مكانه، إلا في حال حدوث تغير مفاجئ متعلق "بتحرك إقليمي ودولي" جاد لإزاحته أو تجاوزه أو تقليص صلاحياته.