أثارت المباراة التي خاضها أخيرًا أحد الأندية الرياضية الكويتية مع نادي كرة قدم خليجي، يضم بين صفوفه لاعبين من فلسطينيي 1948 ويحملان جنسية الكيان الصهيوني، نقاشا موسّعا في أوساط الكويتيين المناهضين للتطبيع، وأعادتنا جميعا الى قضية إشكالية، تتعلق بكيفية التعامل مع التطبيع غير المباشر أو الذي قد يقع ضحيته أفرادٌ أو جماعاتٌ لا تؤمن به ولا تقصده، ولا تود الذهاب إليه بشكل مباشر أو غير مباشر، وأيضا كيفية التعامل مع فلسطينيي الداخل الفلسطيني الحاملين، رغما عنهم أو برغبتهم، هوية الكيان الصهيوني تحديدا، وبأي سياقٍ ثقافي واجتماعي وسياسي نجدهم فيه، وتلك قضية أخرى .. تستحق نقاشا آخر.
التطبيع مع الصهاينة جريمة، بل هي جريمة كبرى لا تغتفر ولا تبرّر، على صعيد الفرد والجماعة والدولة، قلبا وقالبا وشكلا ومضمونا، سياسيا وثقافيا واجتماعيا واقتصاديا ورياضيا، نقول هذا من باب تأكيد المؤكّد في سياقه دائما. ولكن لأن بيان مدير النادي الكويتي الذي نفى فيه علم النادي الكويتي بوجود لاعبيْن يحملان الهوية الإسرائيلية ضمن الفريق المنافس، قال إنهما "فلسطينيان عربيان مسلمان، من عرب 48، وقد سجد أحدهما شكرا لله بعد تسجيله هدفا، ولا نعلم إن كانا يحملان هوياتٍ أخرى". كان علينا أن نعود إلى تعريف "التطبيع"، وأن نفرّق بين من يذهب إليه وهو يعلم أنه تطبيع، ويقصد أنه تطبيع ويفتخر بأنه تطبيع، وأنه مؤمن به وذاهب إليه بوصفه تطبيعا، ومن يذهب إليه وهو لا يعلم أنه تطبيع أو لا يعتبره تطبيعا وهو أساسا يرفض فكرة التطبيع. صحيحٌ أن هذا التفريق هذا لا يعفي من المسؤولية، لكنها ليست مسؤولية التطبيع أو الخيانة، بل مسؤولية تشجيع سياسة التطبيع، من حيث لا يعلم.
تبدو المسألة معقدة وإشكالية، ولكنها واقع حقيقي، وعلينا أن نتعامل معه دائما لمزيدٍ من إشاعة الوعي بشأن خطورة التطبيع بكل أشكاله. وتفاديا لأي محاولات توريطٍ يمارسها التطبيعيون ضد الأبرياء، في سبيل جرّهم إلى الحظيرة من حيث لا يعلمون أحيانا.
أخشى ما نخشاه أن تكون مثل هذا الخطوات لا علاقة لها بالالتباس الحاصل حول مفهوم التطبيع على صعيد علاقتنا مع الفلسطينيين داخل حدود 48، بل أن يُستغلّ هذا الالتباس لتمييع حالة رفض التطبيع، وخصوصا في الحالة الكويتية المتفرّدة في رفضها كل أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني.
أنا متأكدة أن نادي الكويت بريء من تهمة التطبيع، وأنها قد تكون غلطةً تنظيميةً بعدم معرفة أسماء اللاعبين مثلا. وأصدّق بيان مدير النادي الذي أكد فيه ذلك، خصوصا أن المباراة ودّية، وبالتالي، فإن الإجراءات المعتادة، كضرورة معرفة أسماء اللاعبين المشاركين فيها وهوياتهم غير ضروري غالبا. ولكن لا يمكن أن أبرئ الآخرين المغمّسين في التطبيع علنا وقصدا من مهمة التوريط، وهذا وضعٌ جديدٌ علينا، نحن العرب، لم نعايشه في التطبيع المصري أو التطبيع الأردني مثلا وعلى مدى عقود.
سبق وأن حدث ذلك "التوريط التطبيعي" بشكل مشابه على صعيد التطبيع الفني أو الدرامي، عندما سوّق لنا مسلسل "أم هارون" بممثلين كويتيين وأجواء كويتية أيضا، على الرغم من أن الإنتاج غير كويتي، في سابقةٍ خطيرةٍ أتت أكلها لاحقا للأسف!
وعليه، لابد من أن نعود لنؤكد دائما على أهمية مناهضة كل ما يمتّ للتطبيع بصلة، وأن نبقى يقظين من مثل هذه المحاولات المستمرّة لفتح ثغراتٍ مقصودة أو غير مقصودة في الجدار الكويتي الصلد بوجه التطبيع دائما.