تتلاحق الأحداث الخطيرة في المسجد الأقصى، حتى توجت بقرار إسرائيلي واضح بالسماح للمستوطنين اليهود لأداء صلواتهم وطقوسهم الدينية، ولكن "بصمت"، بغرض عدم استفزاز المشاعر الدينية للفلسطينيين والعرب والمسلمين، منعا لاندلاع أحداث جديدة واحتجاجات متصاعدة عنوانها الأقصى كما كان عليه الحال في هبة القدس في مايو الماضي.
تشكل هذه الخطوة الإسرائيلية الجديدة تماديا في استغلال الظروف الفلسطينية والإقليمية والدولية القائمة، لخوض سباق مع الزمن، يتم من خلال التمهيد لفرض حقائق يرفضها العقل والتاريخ والجغرافيا، لكننا أمام "منطق القوة" الذي تتسلح به دولة الاحتلال بمنأى عن "قوة المنطق" الذي يحمله الفلسطينيون، جيلا بعد جيل.
اليوم، وفي ظل المواقف المنددة بالخطوة الإسرائيلية المرفوضة، واكتفائها بسيل من البيانات والاستنكارات الصحفية والإعلامية، ليس من المتوقع لدولة الاحتلال أن يتراجع عن خطواته هذه، بل على العكس من ذلك، فقد يتقدم مع مرور الوقت كي ينتقل الى خطوة أخرى تتجاوز القوانين والقرارات ذات الصلة التي تحث على عدم إحداث أي تغييرات في الأمر القائم في المسجد الأقصى، وحينها "يبقى الأمر على ما هو عليه، وعلى المتضرر اللجوء الى المحكمة"!، فما بالنا لو كانت المحكمة إسرائيلية احتلالية بحتة، ترى ماذا سيكون الحكم حينها؟!
يصعب النظر الى القرار الإسرائيلي الأخير الخاص بالسماح للمستوطنين اليهود بالصلاة في المسجد الأقصى بمعزل عن التطورات الإسرائيلية الداخلية، لاسيما حالة الاستقطاب التي تشهدها الحلبة السياسية، سواء داخل الائتلاف الحكومي، الهش من الأساس، ولا يحتمل كثيرا من الهزات الداخلية، خاصة في ظل زعزعة استقراره بسبب بعض الخلافات داخل مكوناته الحزبية، أو خارجية مع المعارضة اليمينية التي تزاود على الحكومة القائمة، بزعم أنها تتجه نحو اليسار والوسط، بعد أن تخلت عن يمينيتها لصالح بقائها قائمة، ولو على حساب مبادئ اليمين ذاته..
في الوقت ذاته، يمكن قراءة النفوذ الآخذ بالازدياد من قبل جموع المستوطنين اليهود، وما يمثلونه من ثقل سياسي وحزبي وديني، حتى لو كانوا خارج تركيبة الحكومة الحالية، لكنهم يملكون لوبي ضاغط داخل دولة الاحتلال، يتزايد مع مرور الوقت، وتجد الحكومة الحالية وأجهزة الشرطة والأمن والجيش صعوبة في كبح جماحها عن تنفيذ مخططاتها التهويدية التلمودية، بدليل أنها حاولت ذلك عقب هبة القدس حرب غزة، لكنها سرعان من تراجعت عن هذا التوجه بسبب ما واجهته من ضغوط داخلية لم تقوى على التصدي لها.
من الصعب القفز عن العوامل الإسرائيلية في استمراء التعدي المتواصل على حرمة المسجد الأقصى، دون التعريج على المواقف الفلسطينية والعربية والإسلامية والدولية الخجولة، التي لم تتجاوز حتى اللحظة مطالبة الاحتلال بوقف اعتداءاته، وما علموا أنه "لقد أسمعت لو ناديت حياً"..