"حبيبتي، لما يتزوج رح ينساكِ.. اكسبي وجوده معك هلأ.. بكرة بنت الحلال بتاخذه منك.. والله أعلم
كل قديش رح ييجي يشوفك وتشوفيه"، رسالة تحذيرية تطلقها النساء بينهن، في حين تقول إحداهن: "ابني بظل ابني حتى يتزوج، وبنتي بتظل بنتي لطول العمر".
فهل حقاً ينسى الابن أهله وينطلق وراء شؤونه الخاصة بمجرد أن يتزوج، في الوقت الذي تبقى فيه البنت وفيَّة لأهلها تهتم بشؤونهم وتتواصل معهم مهما بلغت مسؤولياتها وتضاعفت همومها؟ وإن احتاج لها أهلها في أي وقت، ألا تراها تسارع لمد يد العون والمساعدة؟ ناهيك برعاية والديها حين يرق عظمهما ويضعف بصرهما وتخور قواهما ويصبحان طريحي الفراش؟
أرى أن نظرة المجتمع هذه تجاه الأبناء التي تعمد إلى محاباة الإناث على الذكور بعد الزواج سلبية
وغير منصفة حتى النخاع. فالأم تعد أن ابنها بعد زواجه تسرقه امرأة أخرى تستولي عليه وتنسيه والديه وأهله، وكأن القضية قضية تملُّك، في حين تبقى البنت مرتبطة بأهلها، فتسحب معها زوجها وأبناءها
لكفة أهلها، فتبقى على تواصل معهم، تتفقدهم وتزورهم وتبرهم وتعاجل إلى إسنادهم ومد يد العون لهم.. وتستشيرهم في شؤونها وشؤون أسرتها، فيبقون على دراية تامة بأدق تفاصيل حياتها وخصوصياتها مهما ابتعدت عنهم وقضت السنوات دون أن تراهم.. وحتى إن رافقت زوجها في بلاد الغربة.
تنسى الأم أنها هي أيضاً قد سحبت زوجها من وسط أهله، لينحصر اهتمامه بها وبأبنائها. وتنسى أيضاً أن الأبناء يتغيرون.. أبناؤها وأبناء غيرها.. فالأبناء في بيتها وهم دون الثامنة عشرة ليسوا بالسمات ذاتها بعد أن يغادروا البيت بعد الثامنة عشرة من العمر.. فهم يتعرفون إلى أناس جدد ويعاركون الحياة بأنفسهم ويتعاملون مع المجتمع الخارجي بشكل مباشر، وكثير منهم يضطرون للعمل سعياً وراء الاستقلال المادي... على النقيض من الفترة التي تسبق ذلك، حيث تنحصر حياتهم بنعيم البيت، تعتني بهم الأم ويلبي حاجاتهم المادية الأب، دون أن يحملوا من هموم الدنيا وغمومها ما يكدر صفو عيشهم.
لا أستطيع أن أعارض فكرة أن البنات عاطفيات وشديدات الارتباط بوالديهنَّ، ولكن أرجو أن نبتعد عن ظلم الأبناء الذكور أيضاً، فغالبية البنات لا يعملن خارج البيت، على النقيض من الأبناء الذكور الذين تضطرهم الحياة إلى الكد والتعب والخروج من الصباح الباكر حتى المساء، ومنهم أيضاً من يضطر إلى السفر والغربة لجلب الرزق.
ناهيك بأن الإناث ماهرات بطبيعتهن في نسج العلاقات الاجتماعية، وغالبيتهن يخصصن وقتاً خاصاً لتبادل الزيارات والاجتماعيات.. فنرى الواحدة منهن ليست على استعداد للتنازل عن زيارة أهلها الأسبوعية مثلاً مهما حدث، هذا إضافة إلى التواصل اليومي على برامج التواصل والمحادثات الهاتفية.
الأبناء الذكور مسؤولياتهم المادية كثيرة، إضافة إلى تشعب المسؤوليات الأخرى، ولكن ذلك لا يعفيهم
من تخصيص وقت لزيارة والديهم وأهلهم والسؤال عنهم والاطمئنان على أحوالهم وتلبية احتياجاتهم.. لذا عليهم خلق حالة من الاتزان في العلاقات بين أسرهم الخاصة ووالديهم وأهلهم.
ولا نغفل أيضاً أن نساء كثيرات تحب الواحدة منهن زوجها وأبناءها وأهلها في حين هي لا تفعل الشيء ذاته مع أهل زوجها، بل نجدها تتجاهل احتياجاتهم وضرورة وصلهم.. متناسية أن الدنيا عجلة دوارة، لا أحد يبقى في مكانه ذاته حتى النهاية.. كل شيء فيها يتبدل ويتغير.. والأبناء الصغار يرون بأعينهم كل شيء.. ووالداهم هما القدوة أمامهم.. فما يفعله والداهم اليوم، سيفعلونه هم معهم بالصورة ذاتها غداً.
فإذا غفل الزوج عن السؤال عن والديه وزيارتهما، فلماذا لا تذكره زوجته وأبناؤه بذلك، وتحثه على البر بهما والإحسان إليهما كما تفعل هي مع أهلها طوال الوقت؟
وفي أذن الزوجة أهمس قائلة: أهل زوجك هم أهلك وأهل أبنائك، فبادري إلى وصلهم ومراعاة مشاعرهم والسؤال عنهم.. قدمي لوالدة زوجك هدية بسيطة بمناسبة ودون مناسبة، أسمعيها الكلمة الطيبة كما تسمعين والدتك.. وافعلي أشياء مشابهة مع والد زوجك، لا تنسي أخواته وإخوته وأقاربه.. سيقدرونك جميعهم ويحبونك وستتربعين على عروش قلوبهم.