فلسطين أون لاين

بعضها بلوحات تجارية وعربات "التكتك" على خط المنافسة

تقرير مُتذرعين بالوضع الاقتصادي.. رؤوس متكدسة داخل حافلات نقل الطلبة

...
غزة/ يحيى اليعقوبي:

في المقعد الخلفي لحافلة نقل الطلاب يُخْرِجُ طالبان نصف جسديهما من النافذة لعدم توفر مساحة كافية للجلوس على المقاعد، وفي المنتصف تتكدس الطالبات على المقاعد، وفي ممر الباص الذي يجب ألا تزيد حمولته على 17 راكبًا.

إحداهن تجلس على قدم زميلتها، في المقعد الأمامي يتدلى جسم طالب بالمرحلة الابتدائية من النافذة أيضًا بدا كمن يريد القفز، هذه الحافلة تُقِل يوميًا نحو 35-40 طالبًا؛ أي ضعف حمولتها المقررة.

أمام إحدى المدارس الابتدائية لم تمتلئ المقاعد الأمامية لحافلة نقل صغيرة من نوع (فلوكس فاجن) بأضعاف حمولتها فقط، بل امتلأ أيضًا الصندوق الخلفي بنحو ستة طلاب، مشهد يمكن رصده بسهولة أمام جميع المدارس، في مخالفة صريحة لقرارات وزارة النقل والمواصلات وقوانين السر التي تسمح لهذا النوع من الباصات بنقل 20 طالبًا فقط.

الحمولة الزائدة في باصات نقل طلبة المدارس ظاهرة تجوب شوارع قطاع غزة على مرأى الجهات المختصة التي تسائلها صحيفة "فلسطين" وتقرع جرس الإنذار أمامها، فالصندوق الخلفي غير مهيأ تماما لحمل الطلبة، فلا نافذة للتهوية في ظل وضع وبائي لا تكف الجهات الصحية عن التحذير منه، هذا بخلاف خطورة المكان الذي يجلسون فيه، حيث يوجد موتور المركبة أسفلهم.

شاهد عيان:  طلبة سقطوا أمامي  من الصندوق الخلفي لأحد الباصات على الأسفلت

اصطف باص (الفلوكس) أمام بقالة بقرب مدارس الابتدائية بشارع اليرموك بمدينة غزة، أنزل السائق طالبين من الباب الأمامي، ثم حمَّل طلابا في الصندوق مكملًا مسيره دون انتباه إلى أنه لم يغلق الصندوق جيدًا، فسقط الطلاب من الخلف على الأسفلت وتدحرجوا. حدث ذلك أمام نظر صاحب البقالة الذي دوّن إفادته لصحيفة "فلسطين" رافضًا ذكر اسمه.

ويتساءل باستنكار: "لو كانت هناك سيارة قريبة من الباص، ماذا سيكون مصير الطلبة؟! هل هذا الحدث والاستهتار يُرضي الجهات المختصة؟ أم أنها تنتظر وقوع حالات وفاة ودهس حتى تتحرك تحركًا فعليًّا وجديًّا".

حتى عربات النقل التي تعتمد على الدراجات النارية المعروفة باسم (تكتك) تنشط هنا وتدخل على خط نقل الطلاب من بعض المدارس بسعر نصف شيقل عن كل طالب، وكأن الأمر فيه منافسة تجارية على أرواح الأطفال الذين يتحمل أولياء أمورهم جزءًا من المسؤولية.

في سيارة أجرة ذات حمولة أربعة ركاب، رصدنا بداخلها تكدس 10 طلاب، كان أحدهم يتدلى من النافذة الأمامية والآخر من النافذة الخلفية.

"شرطي مرور": السائق الذي تخالفه يأتيك في اليوم التالي بحمولة زائدة
 

أجرة غير كافية

أمام مفرق المدارس يفيد أفراد شرطة المرور والنجدة لصحيفة "فلسطين" بأنهم يعملون على مخالفة السائقين تنفيذًا لتعليمات مشددة بمنع الحمولة الزائدة، "لكن المشكلة أن السائق الذي يخالف، يأتي في اليوم التالي بالحمولة نفسها متذرعًا بصعوبة الوضع الاقتصادي واضطراره إلى ذلك، حيث يدفع أجرة شهرية غير كافية ولا تغطي التكلفة، وتمنحه هامشًا جيدًا للعيش".

وتبلغ الأجرة الشهرية لنقل الطلبة في الباصات الصغيرة بين 30 – 60 شيقلا، حسب مسافة بين منزل الطالب إلى المدرسة.
على هاتف أحد أفراد شرطة المرور، المكلف بمتابعة مخالفات الحمولة الزائدة، تمتلئ ذاكرة المحمول بعشرات الصور التي يرسلها إلى إدارته بشكل شبه يومي لحافلات وسيارات تخالف قوانين الحمولة.

في إحدى الصور، فتح الشرطي الصندوق الخلفي للباص الذي أراد تفتيشه بعد أن لمح تكدس عدد من الطلبة بداخله.

حافلات تجارية

 

ساق الله: 600 سائق يعملون على نقل طلبة المدارس .. و20 راكبًا العدد المعتمد للتحميل

وليست هذه المشكلة الوحيدة، إذ رصدنا باصات تحمل لوحة تجارية رقم (10) تعمل في نقل طلبة المدارس رغم أنها مرخصة لنقل البضائع فقط.

عن ذلك يقول رئيس جمعية أصحاب نقل طلاب المدارس حيدر ساق الله: إن وزارة النقل والمواصلات تغض النظر عن أصحاب لوحات رقم (10) بسبب الظروف الاقتصادية.

وحسب إفادة ساق الله لصحيفة "فلسطين" يدفع سائقو اللوحة التجارية تلك ترخيصًا سنويا يبلغ 1050 شيقلا، في حين يبلغ ترخيص الحافلات ذات اللوحة رقم (24) المخصصة للنقل العمومي الداخلي 2600 شيقل.

ما قاله ساق الله، قد يفسر سبب لجوء العديد من السائقين لحمل لوحة نقل البضائع التجارية بدلاً من العمومي الداخلي بسبب فارق السعر بين ثمن ترخيص اللوحتين.

والمشكلة هنا تتعلق بحياة الأطفال، فاللوحة رقم (10) لا يغطيها التأمين، وعليه لو وقع حادث سير، فإن حقوق المصابين ستضيع، وتحدث مشكلات عديدة، وفقًا لساق الله، الذي ذكر بأن أصحاب الحافلات حصلوا على قرار من وزارة النقل والمواصلات باعتماد حمولة ركاب بعدد 20 راكبًا، "لكن بعض الباصات تفوق حمولتها ثلاثين راكبًا".

ويقدر عدد أصحاب الحافلات المتوسطة لنقل طلبة المدارس ورياض الأطفال في مدينة غزة، نحو 350 سائقًا، و600 سائق على مستوى عموم محافظات القطاع.


رؤوس متكدسة  (4).jpeg

 

التزام غير ممكن

التزام الحمولة المسموحة يراه السائق سامي مسعود الذي يعمل على حافلة تحمل لوحة عمومية رقم (28)، أمرًا لا يمكن تحقيقه، قائلا لصحيفة "فلسطين": "عندما تحمل 30-35 طالبًا فكلهم صغار، كما أن المقعد يتسع لثلاثة طلاب، والأمر الآخر أن التزام حمولة عدد مقاعد الباص الذي أقوده، البالغة 17 مقعدًا غير ممكنة، لأن الطالب يدفع رسوما شهرية للنقل 50 شيقلا، وهناك تخفيض في حالة الأخوة".

تعتلي نبرة الغضب صوت مسعود، مضيفًا: "هناك مناظر مؤذية كتير، التكتك اللي بحمل الطالب بنصف شيكل، صاحب السيارة الملاكي والأجرة اللي بحمل 10 طلاب وبتلاقيه فاتح الشنتة وحاطط فيها أطفال، طب ما يلاحقوا هدول!".

ومن وجهة نظره فإن مشكلة التكدس سببها انصراف طلبة المرحلة الأساسية بموعد واحد؛ ما يضطر السائق إلى تحميلهم مرة واحدة، وهذا يختلف عن السابق، "عندما كان الطلبة من الصف الأول وحتى الرابع ينصرفون بتوقيت الحصة الخامسة، فيقوم السائق بتحميلهم بلا تكدس، ثم يعود لنقل الطلبة الآخرين من الصف الرابع حتى الإعدادية في الحصة السادسة".

أحكام القانون

من جانبه يؤكد المتحدث باسم وزارة النقل والمواصلات خليل الزيان، عدم قبول الوزارة بهذه التجاوزات، وأن على شرطة المرور تنفيذ دورها المنوط بها على الطريق من خلال متابعة التجاوزات وإلزام السائقين العدد المسموح به قانونيًّا، "ومطلوب من السائقين التزام الحمولة المقرة حسب أحكام القانون والعدد المسجل بالرخصة، أما مسألة الزيادة فتقع متابعتها على عاتق شرطة المرور، وليس للوزارة أي علاقة".

وعن لجوء السائقين لاستخدام باصات تجارية تحمل لوحات رقم (10) لنقل الطلبة، شدد على عدم قانونية عمل المركبة، "خاصة أن تأمين هذه اللوحة لا يغطي صاحبه فيما لو تعرض لحادث سير، وهو في الغالب غير ملتزم التأمين، وإذا ما وقع حادث يلجأ للحل الودي".

ويشير إلى وجود مشكلة تتعلق بتهرب السائقين من التزام قانون المركبات العمومية ومركبات نقل الأطفال، "وفي الأصل يجب متابعة هذه المركبات وإجبارها على حمل اللوحة رقم (24) العمومية". مؤكدا أن الحل يتمثل بالتزام السائقين أحكام القانون والمسموح به ومتابعة شرطة المرور مسألة التكدس.

لا تهاون في الأمر


رؤوس متكدسة  (8).jpeg

العميد شحادة: لا تهاون بأرواح الطلبة مع أخذنا بالحسبان تعطل السائقين مدة عام

 

مدير إدارة المرور والنجدة بالشرطة العميد تامر شحادة، يقر برصد شرطة المرور العشرات من تجاوزات الحمولة الزائدة، متحدثًا عن ورش عقدت مع جهات الاختصاص، تناولت اعتماد الحد الأقصى المسموح لكل مركبة بحمله.

لكن شحادة لا يقلل في حديثه لصحيفة "فلسطين" من صعوبة الأمر، مؤكدًا أن الأمر شائك، وتتداخل به العديد من العوامل الموضوعية والإنسانية، "فأصحاب الباصات التي تنقل طلبة المدارس تعطلوا عن العمل عامًا ونصفًا، ومن جهة أخرى تراعي الشرطة مسألة "كورونا" وضرورة عدم تحول الحافلات إلى موزع للفيروس".

علق شحادة على تحميل بعض السائقين طلابا في الصناديق الخلفية كما رصدته "فلسطين"، بأن الشرطة تمنع ذلك منعًا باتًا، ذلك لأنه يعرض أرواح الطلاب للخطر، وأن ما يجري التفاهم عليه هو فقط الأعداد في المقاعد الأمامية، في حين وجهت الشرطة تعليمات مشددة بمصادرة أي "تكتك"، وحبس السائق في حال نقل طلاب المدارس.

وبشأن زيادة الحمولة في سيارات الأجرة إلى ضعف المسموح به، يقول شحادة: "العائلات هربت من التكدس في الباصات، ولكن للأسف أصبح هناك تكدس بالسيارات، والشرطة تحارب ذلك بقبول زيادة طالب فقط بالمقاعد الخلفية".

وذكر أن شرطة المرور تتجه لمحاربة التكدس، "لأن حياة الأطفال لا يمكن التهاون فيها، والزيادة خارج الحد المسموح به يعد فرصة لانتشار فيروس كورونا"، لافتًا إلى أن شرطة المرور ستخرج بمؤتمر صحفي عام لإعلان خطة مرورية عامة، "وموضوع حمولة الطلاب جزء منها".