حتى عهد قريب، كان الناس صغارًا وكبارًا يمضون سهراتهم الرمضانية بعد انقضاء صلاة التراويح بممارسة ألعاب شعبية في الساحات العامة والهواء الطلق، يجتمعون عليها ويمضون أوقاتهم بالمتعة والتسلية، وتبرز من خلالها قيم التعاون، وحب الآخر، ومشاركته.. وبهذه الألعاب كانت شخصية الأطفال تتأثر، وتنمو بشكل صحي، على النقيض مما نراه الآن في كثير من أنحاء العالم، حيث احتلت الألعاب الإلكترونية جميع المناطق، وغدت البديل لكثير من الألعاب التي أوشكت على الاندثار.. وأصبح تمحور الشخص داخل نفسه برفقة جهازه الذكي هي السمة الأبرز. ربما اكتظاظ المدن هو أحد الأسباب المهمة التي ألجأت البشر إلى الاكتفاء بالألعاب الوهمية رغم مضارها التي أجمعت عليها الأبحاث والدراسات العلمية، وربما يكون السبب الأقوى هو فضول البشر تجاه تلك الألعاب لاحتوائها على كم كبير من المؤثرات الصوتية والحركية والألوان.. ولكن رغم سطوة التكنولوجيا ومفرداتها، بقيت الكثير من الألعاب الشعبية التي ما زال يمارسها الأطفال والشباب وحتى كبار السن في رمضان، والتي يجدون فيها التسلية، والمتعة، الممزوجة بالضحك والصوت المرتفع، إضافة إلى المراوغة والمقالب المضحكة، عدا عن العراك بالأيدي أحيانًا والذي يبرز في ألعاب الأطفال.
في فلسطين، ما زالت لعبة "يهود وعرب" أو "حرامية وشرطة" من أهم الألعاب الرمضانية التي يمارسها الصبية في حارات وأزقة المدن والقرى الفلسطينية، حيث يتجمع أعدادًا من الصبية في ليالي رمضان، وينقسمون إلى قسمين، ويتخذ كل منهم لنفسه سلاحًا من الألعاب البلاستيكية كالرشاشات وإن لم يتوفر فإنهم يصنعونه بأنفسهم من غصن شجرة أو عصا أو ما شابه، حيث يربطها الصبي بحبل ويعلقها على كتفه لتبدو وكأنها رشاشًا يتبختر وهو يحمله، وتدور بينهم معارك، يطلقون فيها الرصاص المتخيل، ويختبئون ويبذلون جهدهم للإيقاع ببعض، ليخرج في النهاية أحد الفريقين منتصرًا من المعركة.
وفي سوريا (حماها الله، ونصرها على كل من أراد بها سوءًا) تلعب البنات لعبة "بيت بيوت"، واللواتي يجتمعن فيها، وتتقمص كل منهن دورًا تتقن ممارسته، فهذه أم، وتلك، ابن، وهي جدة، وهذه أب... إلخ، ويصنعن بيوتًا من مواد منزلية تالفة أو تم الاستغناء عنها، وتكون الخيمة أو ما يشبه البيت هي المكان الذي تجتمع داخله الفتيات ويلعبن الأدوار المفترضة، ويقمن بزيارات اجتماعية، ويفتعلن الخلافات العائلة، ويقمن بحلها، ويعتنين بالأطفال ويعاقبنهم، وفيها أيضًا يقمن بالطبخ وغسل الملابس... إلخ من الأعمال، ويمثلن دور ربة البيت بإتقان فريد من نوعه.
في الجزائر، يتجمع الصبية للعب لعبة "شكارة بوشنات"، حيث ينقسمون لفريقين، ويحضرون عددًا من أغطية علب العصائر، ما بين 5-7 يرتبونها فوق بعضها، ويخرج في كل مرة صبي من أحد الفريقين ويقذف عمود الأغطية بكرة صغيرة مرنة، فإذا استطاع التصويب جيدًا وإسقاطها جميعًا، حُسبت نقطة لفريقه، وعندما تنتهي أدوار جميع أعضاء الفريق، تحسب النقاط، ليفوز أحد الفريقين. ويلعب الكبار في الجزائر لعبة الدومينو خاصة في العاصمة.
وفي مناطق الجزيرة العربية يلعب الأطفال لعبة يصنعونها من الخشب على شكل مخروط وتسمى "المدوان" حيث يُلف حولها حبل مربوط على عصا وتقذف بقوة لتبدأ بالدوران، وهي تشبه لعبة البلبل المنتشرة الآن. كما يلعب الصغار لعبة "البربر"، حيث تخطط الأرض إلى مستطيلات، يتم حَفر حُفَر صغيرة فيها، وتوضع على الأرض قطعة من الفخار، يقوم اللاعب بالقفز على قدم واحدة بينما يرفع الساق الأخرى، ويقوم وفي الوقت ذاته بقذف قطعة الفخار حتى تسقط في إحدى الحفر.