خطاب رئيس السلطة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عكس ما هو متوقع من سلطة وحكومة ليس لديها برنامج سياسي يحظى بتفاعل خارجي، بل لا تحظى بدعم شعبي للتضحية من أجل بقائها، ولا شك لم تعد تلقى مساندة فصائلية حتى من شركائها التاريخيين، بعد أن اتضح فساد سلوكها وتفردها في اتخاذ القرار، مع استمرار انجرافها باتجاه الاحتلال بعيدًا عن الوطن ومشروعه.
الغريب أن السلطة مع كل ذلك لديها شعور واهم وتقدير خادع، بأنها تجاوزت عنق زجاجة أزماتها المتعددة؛ فهي تعتقد أن قرار تعطيل الانتخابات التشريعية التي كانت مقررة يوم 22 مايو 2021، وما تبعه من انعكاسات داخلية وخارجية قد أصبح من الماضي، وذلك يشمل -من وجهة نظر السلطة- قضية مقتل الناشط السياسي نزار بنات، وكل الحراكات الشعبية والنخبوية التي طالبت بمحاكمة المجرمين، وفتح ملفات تحقيق بالفساد المالي والسياسي لقيادات السلطة والحكومة، في إثر صفقة اللقاحات المنتهية الصلاحية بالتعاون مع حكومة الاحتلال الإسرائيلي.
إن تراجع شعبية السلطة ناتج عن شعور المواطن بفشل مشروعها وتلاشي وعودها بالدولة والاستقرار السياسي، ووهم مشاريع التنمية الاقتصادية التي ستجلب الرفاهية للشعب الفلسطيني في حال قبل التعايش مع الاحتلال الصهيوني وألقى سلاحه، وهذا ما يفسر زيادة نسبة المطالبة برحيل رئيس السلطة التي وصلت إلى 78%، في آخر استطلاع أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية منتصف أيلول (سبتمبر) 2021م، وهو يحظى بمصداقية عالية منذ تأسيسه عام 2000م.
وحسب الاستطلاع إن أغلبية 63% من الجمهور الفلسطيني تقول إن وفاة نزار بنات بعد اعتقال رجال الأمن الفلسطينيين له قد كانت أمرًا مقصودًا من القيادة السياسية أو الأمنية الفلسطينية، ويقول 63% من الجمهور إنهم يؤيدون التظاهرات التي انطلقت في بعض المدن الفلسطينية مطالبة برحيل الرئيس عباس والحكومة الفلسطينية، ونسبة من 69% تقول إن الإجراءات التي قامت بها السلطة الفلسطينية في ملاحقة قتلة نزار بنات، مثل تقديم رجال الأمن الأربعة عشر المشاركين في اعتقاله كافة للمحاكمة؛ غير كافية، إضافة إلى أن نسبة من 74% تقول إن ما قامت به أجهزة الأمن الفلسطينية باعتقال المتظاهرين المطالبين بمحاكمة قتلة نزار بنات هو انتهاك للحريات والحقوق.
ولعل آخر مؤشرات اضطراب السلطة وتخبطها هو قرار حكومة محمد اشتية تأجيل الانتخابات المحلية في غزة التي أعلنت سابقًا بدء إجراءاتها في الثالث من أكتوبر 2021م، ومن الواضح جدًّا أن التأجيل يأتي بعد موقف الرفض الصريح من كل فصائل المقاومة والفاعلين السياسيين لإجراء انتخابات جزئية لعدم ثقتهم بالسلطة وقراراتها، تحديدًا المتعلقة بالانتخابات والشراكة السياسية، في المقابل إن التأجيل بعد أن أدركت السلطة أنها قد حققت هدف إعلان الانتخابات المحلية باستخدامه في خطاب الرئيس في الأمم المتحدة.
إن سلوك السلطة الميداني يعكس أزمتها العميقة، التي ستزداد تعقيدًا مع وضوح الموقف الأمريكي والإسرائيلي بعدم فتح مجال لأي مشروع سياسي مرتبط بحل القضية الفلسطينية، لا على أساس أوسلو وما تبعها من مفاوضات متعثرة، ولا فتح هامش من المفاوضات الشكلية؛ التي تريدها السلطة بقوة من أجل التغطية على فشلها الميداني، أمام تصاعد شعبية مشروع المقاومة الذي وصل إلى حد قطع الأمل في عودة السلطة إلى غزة، أو منح دور سيادي للسلطة -كما كانت تتوقع- في عملية إعادة الإعمار بعد معركة سيف القدس.
لقد تولدت قناعة لدى جميع الأطراف الدولية والإقليمية بأن الدور الوظيفي للسلطة في مواجهة مشروع المقاومة قد فقد تأثيره، فهي جيدة إلى حد ما في التنسيق الأمني مع الاحتلال في الضفة، لكنها تمثل عقبة في طريق تمرير العودة إلى تفاهمات 2011 بين الاحتلال وفصائل المقاومة في قطاع غزة؛ وأن أدواتها الحكومية والشعبية والتنظيمية في غزة ليست إيجابية في دعم قرار الاحتلال بشراء الهدوء مقابل الاقتصاد وتثبيت وقف إطلاق النار مقابل إعادة الإعمار، حتى مشروع يائير لبيد الذي يعتمد على مبدأ الأمن مقابل الاقتصاد على مرحلتين؛ إن المرحلة الأولى تكاد تخلو من الحاجة للعمل مع السلطة في غزة.