لم تكن عرقلة التصويت في الكونغرس على تمويل منظومة القبة الحديدية للاحتلال حدثا عابرا، البتة لا، لأنها شكَّلت عرضا ظاهريا لمشكلة قائمة مستعصية، ما زالت تضرب في عصب العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، وقد أخذت مظاهرها تتجلى منذ الولاية الثانية للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما.
مع مرور الوقت بدأت هذه الأعراض تأخذ انتشارا متزايدا في الأوساط الأمريكية، لاسيما الديمقراطية منها، وصولا إلى أوساط اليهود الأمريكيين، الذين بدؤوا يرون المسافة بينهم وبين دولة الاحتلال تتسع رويدا رويدا، وعلى الرغم من الدعوات الإسرائيلية لمحاولة جسر الهوة المتنامية بين الجانبين، فإن أوساط اليمين الإسرائيلي، لاسيما في عهد نتنياهو، طيلة اثني عشر عاما من حكمه، ضربت بعرض الحائط هذه الدعوات، واستمرت في تحالفها مع الجمهوريين الأمريكيين، لاسيما في ظل حقبة ترامب، التي شكلت قطيعة مع الديمقراطيين، بصورة نهائية، وانعكس ذلك على العلاقة مع اليهود الأمريكيين أنفسهم.
إن الإرباك الذي ساد في الأيام الأخيرة عقب الجدل الذي شهده الكونغرس بشأن تمويل القبة الحديدية، وصولا إلى البيت الأبيض ووزارة الخارجية والبنتاغون، وجد أصداءه في (تل أبيب)، من خلال الحكومة ووزارة الحرب وقيادة جيش الاحتلال. صحيح أن الأمريكان تراجعوا عن ترددهم في التمويل، وأعادوه من جديد، لكن ذلك لا يعني أن العلاقات تم ترميمها نهائيا بين الديمقراطيين الأمريكيين، واليمين الإسرائيلي.
لن نكشف سرا إن قلنا إن دولة الاحتلال هي مشروع غربي أمريكي في المنطقة، وتعد رأس حربة لهذا المشروع في المنطقة العربية، وربما لا تزيد عن كونها "حاملة طائرات" متقدمة، وفق بعض التوصيفات الأمريكية، فضلا عن كونها تضم أكبر مخزن ذخيرة للجيش الأمريكي خارج بلاده، بناء على بعض التقديرات الغربية، وعلى الرغم من ذلك كله فقد حصلت هذه الأزمة، التي يصعب وصفها بأنها "عابرة".
صحيح أن المستوى السياسي الإسرائيلي لم يظهر قلقه من هذه الحادثة، علنياً على الأقل، لكن الأوساط الأمنية والعسكرية والإعلامية والبحثية، توقفت مطولا عند ما حصل، على اعتبار أنه يحمل رؤية استشرافية سلبية، وربما قاتمة، لتطورات أكبر، خاصة في حال امتد الخلاف الإسرائيلي الأمريكي إلى ما هو أبعد من خلاف آني مؤقت بين الحزب الديمقراطي واليمين الإسرائيلي، من خلال ظهور تباين جدي وحقيقي بين الإدارتين الحكوميتين في واشنطن و(تل أبيب).
الخلاصة أن صفحة تمويل القبة الحديدية طويت باستئناف تمويلها، لكن أسباب هذه الأزمة لم تُطوَ بعد، وربما نكون أمام أزمة أخرى قادمة في الطريق، في حال اتسعت الهوة بين الجانبين، في ضوء الملفات العالقة بينهما، بدءًا بالملف الفلسطيني، وصولا إلى البرنامج النووي الإيراني، وانتهاء بالعلاقة مع الصين.