حالة التردد التي اتسمت بها حكومة بينيت-لبيد فيما يتعلق بقطاع غزة تعكس ضعفها وتناقضاتها الداخلية، صحيح أن التباينات بين مكونات الائتلاف الحاكم أكبر فيما يتعلق بالضفة الغربية؛ لكنها مرتبكة بخصوص غزة، حتى الرؤى والمشاريع التي صدرت عن رئيس الوزراء نفتالي بينيت، ووزير الخارجية (رئيس الوزراء بالتناوب) يائير لبيد؛ لا تحمل حلولًا حقيقية؛ فهي تستحضر الأفكار القديمة المتعلقة بالأمن والاقتصاد، وهي أفكار تعتمد على خطط جيش الاحتلال، الذي لا يزال يدفع باتجاه تسهيلات اقتصادية تجنبه مواجهات عسكرية مع غزة، أصبح على قناعة أنها لا تستطيع تحقيق أهداف إستراتيجية على المقاومة.
مشروع يائير لبيد يعتمد على مبدأ الأمن مقابل الاقتصاد على مرحلتين، وتكاد تخلو المرحلة الأولى من الحاجة للعمل مع السلطة، وهو المبدأ نفسه الذي عملت عليه حكومات نتنياهو السابقة التي كانت تعتمد على تسهيلات اقتصادية وإنسانية مقابل الهدوء على جبهة غزة.
أما نفتالي بينيت فيتبنى مبدأ التسهيلات الاقتصادية مقابل تخفيض التصعيد مع غزة، ولكن دون أي أفق سياسي مع السلطة، وهو مبدأ لا يختلف كثيرًا عن لبيد من حيث الجوهر، وكلاهما يحتاج إلى تفاهمات مع المقاومة من أجل أن يضمن الهدوء أو خفض التصعيد.
ما لا يصرح به أي من بينيت أو لبيد هو أن كليهما يخشى تصعيد لا يضمن بقاء الحكومة، فالأول يعيش أعلى مراحل حلمه بأن يكون رئيس وزراء بستة أعضاء كنيست فقط، وأن يحظى بفرصة لتقديم نفسه زعيمًا لليمين بديلًا عن نتنياهو، وقد كان يتوقع أن سقوط نتنياهو في الحكومة يعني نهاية خصمه، وبداية لصعوده هو زعيمًا جديدًا لليمين الإسرائيلي، أما الثاني (لبيد) فهو ينتظر انتهاء النصف الأول من زمن الحكومة ليتسلم منصب رئيس الوزراء، وبذلك يقدم نفسه زعيمًا يساريًّا لحكومة يمينية، الأمر الذي يستبعده كثير من المراقبين.
مما لا شك فيه أن الحكومة الإسرائيلية، كما كل الحكومات والأنظمة والتحالفات في المنطقة؛ تراعي توجهات الإدارة الأمريكية التي يمكن تلخيصها بثلاث نقاط:
1. لا يوجد حل للقضية الفلسطينية قابل للتحقق خلال حكم الإدارة الأمريكية الديمقراطية في السنوات الأربع حتى الثماني القادمة.
2. لا عملية سياسية ستطرح خلال السنوات القادمة، وهو ما يعكس فشل 8 سنوات لإدارة أوباما في محاولة العودة لطاولة المفاوضات.
3. لا تصعيد كبير يضع التوجهات الأمريكية أمام قرارات تربكها أو تؤثر في أولوياتها بالمنطقة، حيث تهتم بالملفين الإيراني واليمني أكثر من غيرهما، على مبدأ تسكين المنطقة وخفض الوجود العسكري إلى حده الأدنى.
في المحصلة إن الحكومة الإسرائيلية لا تبحث عن التصعيد مع غزة، وهي تعكس حالة الاحتلال الذي لا يبدو في أحسن أحواله، تحديدًا بعد تراجع سمعته قوةَ ردع فاعلة ضد المقاومة الفلسطينية بغزة، وهذا ليس مبالغة، بل هو ما يتفق عليه الجميع داخل المجتمع الإسرائيلي أو بين المحللين الغربيين، فضلًا عن القراءة العربية والفلسطينية بعد معركة سيف القدس في مايو الماضي.
ومن المهم التأكيد بالمقابل أن المقاومة الفلسطينية أيضًا لا تبحث عن التصعيد، بل ترغب بالهدوء أكثر من الاحتلال من أجل تعزيز صمود حاضنتها الشعبية بإعادة إعمار غزة وتحسين الأوضاع الاقتصادية أحد منجزات ما بعد المعركة، ولعل ذلك يأتي في سياق تعزيز الأمل وتقليل الخوف لدى المواطن الفلسطيني، الذي يحتاج إلى أطول مدة من الاستقرار بعد معركة قاسية، ليعزز إيمانه بأن تضحياته خلال معارك المقاومة مع الاحتلال تزيد من الإنجازات الوطنية، وتنعكس عليه بمزيد من المكتسبات الحياتية التي تعينه على الصمود على طول مشروع التحرير.