مَنْ يُنصت إلى جلسات الاستماع والتحقيقات التي أُجريت بشأن هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001، ضد برجي "مركز التجارة العالمي"، خصوصاً جلسات الاستماع التي عُقدت بمناسبة مرور 10 أعوام، في اجتماع ضمّ خبراء وعلماء وأساتذة ودكاترة ومتخصّصين من أنحاء العالم، في تورنتو (كندا)، لتقديم أدلّة جديدة راسخة، تُشكّك في القصّة الرسمية، وتُشير إلى أنّ انهيار البرجين كان مُعدّاً له سلفاً، أو أنّ الطائرات كانت مُزوّدة بصواريخ شديدة الانفجار، إضافة إلى فيديوهات أخرى تقدّم شهادات طيارين تفضح الجريمة، يشك في أنّ الحكومة إنْ لم تشارك فيها، فقد سهّلت حدوثها عمداً.
إذن، مَنْ يُنصت إلى هذا كلّه، ثم يتأمّل ويسترجع كيف تعاطى الفن السابع مع "التفجيرات"، يُدرك أنّ السينما، رغم عشرات الأفلام المُنتجة عن الحدث الذي غيَّر مجرى التاريخ، لا تزال بعيدة جداً عن سرد الحقيقة، وأنّ الأفلام التي اختارت البحث والتنقيب لتقديم وجهة نظر مُغايرة للرواية الرسمية لا تزال قليلة للغاية، كالوثائقي الطويل "فهرنهايت 11/ 9" للمخرج والمنتج مايكل مور، الذي حاولت جهاتٌ منعه، ومنها "ديزني"، إلى محاولات أميركية لتسفيهه وتحقير مخرجه.
هذا الفيلم فاز بـ"السعفة الذهبية" في الدورة الـ57 (12 ـ 23 مايو/ أيار 2004) لـ"مهرجان كان السينمائي الدولي"، في لحظة تاريخية فريدة من نوعها في تاريخ الفيلم الوثائقي، بالإضافة إلى نيله جوائز نقّاد السينما، وغالبيتهم من أميركا نفسها، كروابط نقّاد السينما في شيكاغو ولوس أنجلوس وفلوريدا ونيويورك وواشنطن ولاس فيغاس، وغيرها (29 جائزة).
من منظورٍ توثيقي ساخر، حاول مايكل مور البحث عن صورة لأبعاد السياسة الأميركية الخفية، كاشفاً بأسلوب فني حقيقة جورج بوش الابن، الذي كان يصف نفسه بـ"رجل الحرب"، ومُستعيداً ـ بلقطات أرشيفية.
كيف أصبح رئيساً بأسلوبٍ انتخابي غير مرغوب فيه، فقامت تظاهرات عدّة ضده، ورُشقت سيارته الليموزين بالبيض يوم تنصيبه في 20 يناير/ كانون الثاني 2001، خصوصاً من جالياتٍ سحب منها حقوقها المكتسبة، فحُرمت التصويت في تلك الانتخابات. من بين أهم النقاط التي يُؤكّدها مور، التي يُبنى عليها، أنّ بوش الابن، في نحو 8 أشهر، كان غير قادر على إدارة حكمه.
هذا بدوره يُؤسّس لفكرةٍ، يطرحها الفيلم بوضوح لاحقاً: غرس سياسة الخوف في الشعب، كي يستجيب لسياساته، ما يعني أنّ تفجيرات 11 سبتمبر/ أيلول كانت ضرورية، لترسيخ حكم "رجل الحرب"، المستمر حتى عام 2009.
تتجلّى قوّة "فهرنهايت 11/ 9" في قدرته على استحضار الجوانب الخفية للعلاقات الاقتصادية لبوش الابن وشركاته، وانعكاس ذلك على سياساته، وكشفه بجرأة مدى الاحتيال الذي مارسه، واستفادته من منصب أبيه، وتقرّب الشركات الضخمة منه، لأنّه كان يمدّها بالمعلومات، وكيف وُلدت المصالح الاقتصادية القوية له مع عائلة بن لادن، إلى درجة أنّه في فترة منع الطيران، وقبيل التفجيرات، سمح بوش باستخدام طائرات (6 نفّاثة و24 تجارية) لنقل عائلة بن لادن خارج أميركا، بحجّة حضور عرسٍ عائلي في أفغانستان. كذلك فإن أناساً من حاشية بن لادن وعائلته سُمح لهم بدراسة الطيران في أميركا.
زراعة الخوف
ينطوي الفيلم أيضاً على تأكيدات لمسؤولين عن ورود معلومات هائلة ومتنوّعة عن تجهيز بن لادن و"تنظيم القاعدة" لعملٍ إرهابي ضخم ضد الولايات المتحدة، جرى تجاهلها عمداً من إدارة بوش الابن والمقرّبين منه. إشارات أخرى عن مكاسب كان مُخطّطاً لها في مرحلة ما بعد التفجيرات، ومواصلة سياسة الحرب من أجل البترول، من دون أن يغفل إدانة المحيطين بالرئيس السابق، وبمساعدين له في تحقيق سياساته واقعياً. وإلا، ما استطاع بوش الابن تضليل الأميركيين بخصوص الأسباب الحقيقية لغزو أفغانستان والعراق.
في العام نفسه (2004)، أُنتج وثائقي بريطاني بعنوان "قوّة الكوابيس.. صعود سياسات الخوف"، لـ"هيئة الإذاعة البريطانية"، في 3 أجزاء، أخرجها وكتبها آدم كيرتس. أيضاً، كانت هناك محاولات لمنع عرضه في أميركا، إلى درجة أنّ مدير إحدى المحطات قال: "سنُذبح لو أذعناه". لاحقاً، عُرض في عددٍ محدود من صالات السينما المستقلّة.
تجمع الفيلمين فكرةٌ جوهرية، لا يُمكن أن تأتي من فراغ: عندما فَقَد السياسيون القدرة على التأثير في شعوبهم، وعندما فشلت رؤاهم وأحلامهم المتفائلة، التي وعدوا بها جماهيرهم الكبيرة، لجأوا إلى سياسة زرع الخوف في نفوس الناس، وأثاروا ذعرهم بقوّة الكوابيس، من خلال خطابات سياسية وبرامج تلفزيونية وإعلانات، قالت إنّ هناك قوة إرهابية تخطّط للقضاء عليهم.
لذلك، كانت ضرورية جداً المبالغةُ في حجم الخطر الإرهابي، وتقديم نماذج حيَّة تؤكّده، وإنْ بلغ الأمر التضحية برموز القوّة الأميركية كـ"مركز التجارة العالمي" و"مبنى البنتاغون"، ليستعيد القادة دورهم في السيطرة، وفرض القوّة المفقودة، بإعادة تجسيد دور البطل الذي سيحميهم من هذه الكوابيس. لذا، كان لا بُدّ من صُنع أسطورة بن لادن، وتفجيرات 11 سبتمبر.
جوانب من الحقيقة
رغم أنّه لا تزال هناك علامات استفهام عدّة، لا إجابات عليها، بشأن ذلك اليوم المشؤوم، فإنّ وثائقيي مور وكيرتس يُعتبران من أهم الأفلام المُنتجة، الأقرب إلى كشف جوانب من الحقيقة، خصوصاً في ظلّ المنع والتحذير بعدم الاقتراب من الأسباب الحقيقية للتفجيرات المروّعة. حتّى إنّ الفيديوهات التي شُوهدت سابقاً عن تفجير المبنيين وانهيارهما من أساساتهما السفلية، التي تؤكّد قصّة تورّط الحكومة، اختفت من "يوتيوب". أما الوثائقي "نقطة تحوّل: 11/ 9 والحرب على الإرهاب"، ففيلم دعائيّ في جوهره، يُحاول تجميل صورة النظام الأميركي، ويُدافع عن سياسات جورج بوش الابن وحاشيته، محاولاً إسقاط دوافعهم على فكر بن لادن. بدايته لقطات متنوّعة تعتمد قطعاً توليفياً، لبعض شهود تفجيرات 11 سبتمبر، يحكي كلّ واحد منهم، بطريقته المؤثّرة عاطفياً، عما شاهده. فجأة، ينتقل الفيلم إلى أفغانستان، بحجّة أنّ الطريق إلى التفجيرات بدأ قبل حدوثها بعقود، ومُكرّساً فكرة أنّ الأميركيين ساعدوا الأفغان في حربهم ضد الاتحاد السوفييتي، فقط لينالوا حريتهم، ومُبرّراً للقادة الأميركيين عدم فهمهم قوّة الدين وسرّ عداء أسامة بن لادن لهم، باستثناء أنّ صدام حسين، حين غزا الكويت، أججّ مشاعر بن لادن، الذي قال إنّ "الأميركيين وراء ذلك، لأنّهم يريدون الاستحواذ على مخزون النفط والغاز الطبيعي في العالم، وعلى ثروات العرب والمسلمين".
فهل ما ردّده صنّاع الفيلم من أفكار منسوبة إلى زعيم "تنظيم القاعدة" كانت بعيدة عن أهدافهم الحقيقية؟ وماذا عن العلاقات الاقتصادية المتشابكة بينه وبينهم؟ المؤكّد أنّ الأفلام الروائية، المستوحاة من العواقب المباشرة وغير المباشرة للهجمات، ما زالت بعيدة عن كشف أسبابها الحقيقية، رغم تنوّعها بين الإثارة والحركة والرومانسية، وذات المشاعر القوية، وإنْ أحدثت ردود فعل عاطفية، شهدت انقساماً حولها.