فلسطين أون لاين

"أوركيد" يعيد تدوير بقايا مخلفات الأوراق لألواح رسم

...
غزة/ يحيى اليعقوبي:

تجمعوا أمام جبل من القصاصات الورقية، يطلقون لخيالهم وأفكارهم العنان، وكانوا أمام مفرق طرق؛ أن يلقوه في القمامة أو يعيدوا استخدامه؟ أفكار كثيرة راودتهم، لكن كان التركيز على ابتكار شيءٍ غير مألوف تستفيد منه شريحة كبيرة.

قطعٌ دائرية صغيرة تستحوذ على إطار اللوحة تكوِّن فسيفساء تتحالف في أرضيتها الألوان الأرضية الخضراء، ثم درجات الأزرق، في حين تتسلق شجرةٌ بنية ذات فروع إلى الأعلى.

في لوحة أخرى تتوشح السماء باللون الوردي، وتظهر لك أشجار النخيل بلونها الأسود وتحيط بها الصخور، هنا جدار قديم يحكي عن ظروف عائلة فقيرة توقد شمعة بوعاء أبيض، هذه المشاهد للوحات فنية صنعها فريق "أوركيد" بعدما قاموا بتحويل بقايا أوراق مشروع قصص كانوا يعدونه إلى ألواح رسم معاد استخدامها ورسموا عليها تلك الرسومات الزاهية، كانت نهاية للأفكار التي راودت فريق "أوركيد" لتنمية الفنون والثقافة.

القصة لم تبدأ من هنا، سالم ثابت وهو طبيب بيطري وزوجته المؤلفة هدى ثابت، إضافة لأعضاء الفريق من العائلة ذاتها، عملوا على إنتاج سلسلة قصصية بعنوان "دفتر عسل" وهي عبارة عن سلسلة اقتصادية تساعد الأطفال على فهم الأفكار الاقتصادية، يتحدث عن إعداد الموازنة، والتخطيط، والإرادة، وأنتج الفريق أربعة إصدارات منه، أما الإصدار الخامس فخصص حول أزمة جائحة كورونا.

اعتمدت وزارة التربية والتعليم الإصدار ووصل إلى مكتباتها، ثم بدأ الفريق في مشروع تدريب طلاب مدارس وزارة التربية والتعليم ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" على الكتابة الإبداعية عن طريق ورش، وإنتاج كتب عن اللغة العربية مساندة تشرح المنهاج بطريقة قصصية، كقواعد اللغة العربية.

بينما كانت هدى تعقد ورش تدريب الطلاب، وجدت أمامها مئات الأوراق من المسودات التي يستخدمها الطلاب في التدرُّب على نسج قصص صالحة في النهاية للطباعة، تعطي نظرة أكثر قربًا عن تلك المشاريع التدريبية: "كانت معظمها على فنون الكتابة الإبداعية، وقصص حول المدن والآثار، وقصص تعتمد على تحويل المنهاج إلى دراما، وتحويل القواعد في اللغة العربية لقصة جميلة فيها أبطال، ويستنتج الطلاب القاعدة عبر قراءة القصة".

كانت في المحصلة أمام قرابة طن من الأوراق، تزيح الستار عن كواليس فكرتها لصحيفة "فلسطين": "لأننا أصدقاء للبيئة وممن يهتمون بنظافتها، لم أقم بالتخلص من أكوام الورق التي جمعناها، بل خطرت ببالنا فكرة إعادة تدوير الورق إلى العديد من الأشكال، وإنتاج ألواح رسم معاد تدويرها".

تأمل هدى أن يكون مشروعها نواة لحل "مشكلة بيئية قائمة تتمثل بالتلوث البيئي الذي تسببه النفايات الورقية، إذ تقوم فكرتها على تحويل كل أنواع الورق إلى ألياف ورق أو عجينة، ولكل واحد منها استخدامات متنوعة، التي باتت تجذب الطلاب والفنانين والمهتمين بأعمال الأشغال اليدوية والديكور".

ولا يخفى على أحد أن طلاب كلية الفنون الجميلة والرسامين عامة يحتاجون إلى ورق الكانفاس (قماش خاص بالرسم معالج ومشدود على إطار خشبي) باستمرار وكثيرًا لتنفيذ أفكارهم ومشاريعهم، ولكنهم يعانون ارتفاع ثمنه وانتشار الأنواع الرديئة منه، وعدم توفر المقاسات المطلوبة منه على مدار العام.

في إحدى الورش يتجمع الفريق ويبدؤون في إعادة التدوير، أولًا بفرم الأوراق وتقطيعها، ثم تُنقع بماء ساخن مع مواد أخرى لمدة أربعة أيام، بعد ذلك يُعجن ثم يُعصر الماء منه، فتكون أمامك مادة عجينية توضع في قوالب على حجم مقاس اللوح، ثم تُضغط وتُكبس وتُعرَّض لأشعة الشمس حتى تجف، ويكون أمامك اللوح صالحًا للاستعمال بالرسم، ويمكن تصميم ألواح ملساء وأخرى خشنة.

بينما يقدر زوجها سالم المخلفات الورقية في قطاع غزة يوميًّا بنحو 7 أطنان، يسعى إلى أن يُستفاد من كل تلك الأطنان بإعادة تدويرها: "الألواح آمنة وصديقة للبيئة ويمكن استخدامها في أكثر من اتجاه ويمكن مسح الرسم وإعادة رسم لوحة فنية جديدة على نفس اللوح، ويمكن التخلص منه بنقعه بالماء أو التربة فيتحلل" يقول.

إضافة للألواح قام الفريق بإنتاج بودرة على هيئة عجينة طينية يستطيع الأطفال تشكيل مجسمات مختلفة منها.

في صفحة الفريق على "انستغرام" يعرض الفريق رسومات كثيرة أنتجوها بالرسم على الألواح المعاد تدويرها، بعضها رسومات تراثية من أباريق وزخارف، ورسومات بدلالات عميقة المعنى تستفز خيالات المتابعين لفك شيفرة الرسوم، وأخرى للزهور، وقام بإشراك طلاب المدارس بهذه الأعمال بعد ذلك.

المصدر / فلسطين أون لاين