فلسطين أون لاين

​الخلاف الخليجي والفرح الإسرائيلي!

تميّزت السياسة الخارجية لدولة قطر منذ عام 1995 بالدينامية والمرونة والقدرة على المناورة ومحاولة إيجاد علاقات متوازنة مع أكثر القوى الإقليمية والدولية. فبنت قطر علاقاتٍ متينةً مع الولايات المتحدة الأميركية، في الوقت الذي انفتحت فيه على القوى الإقليمية الأخرى على الرغم من التناقضات الكبيرة فيما بين هذه الدول.

انفتحت قطر على المبادرات والمؤتمرات الحوارية التي غدت جزءًا من أدوات السياسة الناعمة التي تستخدمها، وأطلقت ثورةً إعلاميةً عبر إنشاء قناة الجزيرة، وشرّعت من خلالها الباب أمام مناقشة قضايا كانت تعد "تابوهات" في الفضاء السياسي العربي المغلق.

ومنذ منتصف التسعينيات، مثلت التوجهات القطرية، وبخاصة في السياستين الخارجية والإعلامية، مصدر إزعاجٍ لبعض الحكومات، وكانت مادةً لعنوان تأزّمٍ دوري في العلاقات مع هذه الدول على امتداد العقدين الماضيين، وقفت قطر بقوة ضد العدوان الإسرائيلي على لبنان وغزة. ومع انطلاق ثورات الربيع العربي، حاولت الدول العربية تحميل الإعلام وقطر المسؤولية عنها في تهربٍ من عملية محاسبة للنفس على الأخطاء والسياسات التي قادت إلى الحالة الثورية عربيًا. وازدادت الضغوط على النظم العربية في ضوء النموذج الحضاري الذي قدمه الشباب العربي في الساحات والميادين العامة، وأثار إعجاب الغرب والعالم، وجعل الولايات المتحدة تتخلى، أمام هذا النموذج السلمي والراقي في التغيير، عن أكثر حلفائها قربًا، كما حصل مع نظام حسني مبارك في مصر.

الحملة الخليجية لشيطنة قطر تسارعت بشكل مفاجئ، وتحولت المواقف البينية بين دول الخليج إلى مواقف من السياسات الخارجية لها، ودعم بعضها للقضية الفلسطينية وحركة حماس.

أكثر الفرحين بالخلاف الخليجي الجديد كان بلا منازع كيان الاحتلال، الذي طار من على أرض الفرح بما جرى، لا سيما بعد مطالبة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بإخراج قادة حماس من الدوحة، كشرط غير مفهوم ولا طبيعي لاستعادة العلاقات معها!

وزير الحرب الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان ورئيس حزب "إسرائيل بيتنا" اعتبر أن قيام السعودية ومصر والإمارات والبحرين واليمن بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر "يثبت أن هذه الدول باتت تدرك أن مصدر الخطر الحقيقي في منطقة الشرق الأوسط غير كامن في (إسرائيل) والصهيونية، وأكد أن هذه الخطوة من شأنها أن" تعزّز احتمالات التعاون مع هذه الدول في كل ما يتعلق بمحاربة الإرهاب".

وأضاف ليبرمان خلال قيامه بالرد على استجوابات عدد من أعضاء الكنيست، أن الدول العربية التي قطعت علاقاتها مع قطر لم تفعل ذلك بسبب (إسرائيل) أو القضية الفلسطينية وإنما بسبب مخاوفها من "تصاعد الإرهاب الإسلامي المتطرف". وأشار إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب تحدّث أثناء الزيارة التي قام بها إلى السعودية الشهر الفائت عن ضرورة إقامة ائتلاف لمحاربة هذا الإرهاب.

وشدّد ليبرمان على أن كيان الاحتلال منفتح على التعاون مع هذه الدول العربية وعلى أن الكرة بهذا الشأن موجودة في ملعب تلك الدول. وأشار إلى أن أي محاولة للربط بين القضية الفلسطينية وعلاقات (إسرائيل) مع الدول العربية المعتدلة تعبّر عن توجه خطأ، ولفت إلى أن كيان الاحتلال وقع اتفاقيتي سلام مع كل من مصر والأردن من دون أي علاقة مع القضية الفلسطينية.

ورداً على سؤال وجّهه عضو الكنيست مئير كوهين حول صفقة الأسلحة التي وقعتها الولايات المتحدة مع السعودية، قال ليبرمان إن (إسرائيل) لا تسعى لمنع صفقات أسلحة بين الولايات المتحدة والدول العربية المعتدلة، لكنها في الوقت عينه تحرص على أن تحافظ على وجود فجوة نوعية بين جيشها وسائر الجيوش في المنطقة. وأكد أن كيان الاحتلال عالج جميع التداعيات التي يمكن أن تترتب على هذه الصفقة قبل إعلانها على الملأ، وحصل على ضمانات أكيدة بأن تظل محتفظة بتفوق جيشها النوعي.

اللواء يعقوب عميدرور قال في سياق مقابلة أجرتها معه إذاعة جيش الاحتلال إن قطر لعبت على الحبلين طيلة سنوات، فمن جهة هناك قاعدة عسكرية أميركية في أراضيها ومن جهة أخرى لديها علاقات ودية مع إيران أكثر من الدول العربية الأخرى، كما أنها تشكل جزءاً من الدول العربيّة السنية وفي المقابل تدعم حركة "الإخوان المسلمين" إلى حد كبير وتمول قناة "الجزيرة".

وأضاف عميدرور الذي شغل سابقاً منصب رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، أن العلاقة بين قطر وإيران ودعم "الإخوان المسلمين" وقناة "الجزيرة" تعتبر الأسباب الرئيسية التي أدت إلى إعلان الدول العربية السنية معارضتها لقطر على رؤوس الأشهاد. وأعرب عن اعتقاده بعدم وجود صلة بين هذه الخطوة وأي ضغوط أميركية، مشيراً إلى أن لدى الولايات المتحدة مصالح مهمة في قطر.

التحريض الإسرائيلي على قطر وحركة حماس ومحاولة استغلال فجوة العلاقات القائمة بين الدول الخليجية كبير وخطير جداً، وهو ينذر بمخاوف من استغلاله بشكل أكثر قبحاً في الأيام المقبلة ضد المقاومة الفلسطينية وتجريمها في المحافل الدولية، وعلى الرغم من أن السعودية سبق أن استضافت برفقة القاهرة جولات من المصالحة الفلسطينية التي كانت حماس إحدى أطرافها، إلا أن موقفها الغريب من الحركة يثير المخاوف من تصفية الحسابات العربية على حساب القصية الفلسطينية، في وقت المطلوب فيه توحيد الصفوف لزيادة جرعة الدعم.. لطعن من تبقى من المقاومين لمشروع الاحتلال والاستيطان.