رغم مرور نحو شهر على إجراء كيان الاحتلال جولة غير مسبوقة من الانتخابات غير الحاسمة، لكن الأزمة السياسية لا تزال قائمة. ما دفع الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين للطلب من زعيم حزب "أزرق أبيض" بيني غانتس تشكيل حكومة - وهي المرة الأولى منذ عام 2006 التي يُطلب فيها من زعيم غير نتنياهو تشكيل الحكومة، والمرة الثانية هذا العام التي فشل فيها رئيس الوزراء الحالي في تشكيل ائتلاف يضم عدداً كافياً من المقاعد البرلمانية.
كان نتنياهو يعمل على تشكيل حكومة منذ الانتخابات، لكنه أقلع عن ذلك في 21 تشرين الأول/أكتوبر. ومن غير الواضح بعد ما إذا كان غانتس سينجح في محاولته تشكيل ائتلافه الخاص، لكن الظروف الحالية تشير إلى أن فترة السنوات العشر التي سيطر خلالها نتنياهو على السياسة الإسرائيلية من المرجح أن تقترب من نهايتها.
بعد فوزه في الانتخابات الأولى في نيسان/ أبريل، لم يستطع نتنياهو جمع أكثر من 60 مقعداً، مما دفعه إلى حل الكنيست بدلاً من منح ريفلين خيار السماح لمنافسه بمحاولة تشكيل حكومة. وفي انتخابات الإعادة في أيلول/ سبتمبر، تراجع عدد أعضاء كتلة نتنياهو اليمينية إلى 55 مقعداً، في حين تفوق "أزرق-أبيض" على حزب "الليكود" بفوزه بـ 33 مقعداً مقابل 32 مقعداً لـ "الليكود". وبناءً على ذلك، عرف غانتس أن نتنياهو لن يتمكن من تشكيل حكومة عندما منحه ريفلين الفرصة الأولى لتشكيلها.
في السياق ذاته، لا يزال وزير الجيش السابق أفيغدور ليبرمان صانع الملوك. فقد أعلن أنه يرغب في توحيد صفوف حزبي "أزرق أبيض" و"الليكود" مع حزبه "إسرائيل بيتنا" (الذي فاز بـ8 مقاعد) وإبقاء فصائل أصغر في اليسار واليمين خارج المعادلة. وفي السنوات الأخيرة، تمتعت أحزاب المتدينين المتطرفين والمستوطنين بنفوذ غير متكافئ، وحصل ليبرمان على ثلاثة مقاعد إضافية في انتخابات أيلول/سبتمبر مستفيداً من استياء الناخبين من تلك الأحزاب. ويطالب الآن هو وحزب "أزرق-أبيض" بأن ينفصل "الليكود" عن هؤلاء الحلفاء اليمينيين (الذين فازوا بـ 23 مقعداً) كشرط مسبق للمشاركة في حكومة "وحدة وطنية". ويرفض نتنياهو بإصرار هذا المطلب، حيث يرى أن ذلك شكل من أشكال نزع السلاح السياسي.
يصر حزب الجنرالات "أزرق أبيض" على أن يعيّن حزب "الليكود" زعيماً جديداً له، لأن نتنياهو لا يزال تحت سحابة قانونية وسط مؤشرات واسعة النطاق بأنه سيتم توجيه الاتهام إليه في ثلاث قضايا فساد، بحلول نهاية الشهر المقبل. إذا شكّل حزبا "الليكود" و"أزرق أبيض" حكومة "وحدة وطنية" برئاسة دورية، سيصر نتنياهو على أن يكون الأول في نموذج التناوب هذاليس فقط لكي يبقى في منصبه في حال صدور لوائح الاتهام، بل أيضاً لزيادة ميزته في التوصل إلى مساومة قضائية.
خلال افتتاحه جلسة "الكنيست" الأخيرة، وجه "ريفلين" انتقادات لأعضاء الكنيست بسبب الأزمة المستمرة وحذرهم من عدم جر الكيان إلى إعادة إجراء انتخابات أخرى. لكن في ظل المعركة التي يخوضها غانتس ونتنياهو لإقناع الإسرائيليين بهوية المسؤول عما تصفه نشرات الأخبار المسائية بـ"الأزمة السياسية"، لا يمكن استبعاد إمكانية العودة إلى صناديق الاقتراع.
من المرجح أن يركز غانتس على أن نتنياهو غير منطقي في إصراره على رئاسة حكومة في وقت يرزح فيه تحت سحابة قانونية، وطلبه أن يكون الأول في التناوب على رئاسة الحكومة ورفضه السماح لحزب "الليكود" بالانضمام إلى حكومة من دون حلفائه في معسكر اليمين. وفي المقابل، أعلن غانتس أنه سيشكل حكومة وحدة مع حزب "الليكود" فور تنحي نتنياهو جانباً. وإذا دعا نتنياهو أو حلفاؤه إلى جولة اقتراع أخرى، فمن المرجح أن يرفض غانتس هذا التهديد باعتباره باطلا نظراً إلى فقدان رئيس الوزراء للدعم بين الجولتين الأولى والثانية.
قد يكون من السابق لأوانه معرفة أي من السيناريوهات ستتبلور في ظل الشحن السياسي الحالي القادم، إلا أن جميعها تشترك في خلاصة وحيدة وهو أن نتنياهو لم يعد يسيطر على المشهد السياسي كما كان على مدى العقد الماضي. ويبدو أن إدارة ترامب تنتظر تشكّل المشهد السياسي في كيان الاحتلال قبل أن تقرر ما إذا كانت ستقوم بإطلاق مبادرتها للسلام التي طال انتظارها، أو ربما إعادة صياغتها على شكل "بيان رؤية" أقل طموحاً لاستخدامه كنقطة مرجعية لمساعي السلام في المستقبل. فترامب ونتنياهو لم يتحدثا مع بعضهما منذ انتخابات أيلول/ سبتمبر، وعندما يزور كبير مستشاري البيت الأبيض جاريد كوشنر المنطقة أواخر الشهر الحالي، سيجتمع مع غانتس للمرة الأولى وليس فقط مع نتنياهو، ما يعقد من حسابات نتنياهو أولاً، وقد يودي بصفقة القرن المزعومة إلى غياهب الريح.