فلسطين أون لاين

مظاهر الفساد تستشري في الضفة الغربية

تقرير اتفاقية "أوسلو" تدفع السلطة لتحويل القضية إلى مشروع استثماري لصالح المتنفذين

...
صورة أرشيفية
رام الله-غزة/ نور الدين صالح:

اتخذت السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة "المشروع الوطني وحمايته" شعارًا تذرّعت به منذ نشأتها، إلا أنها بعد اتفاقية "أوسلو" التي وقعتها منظمة التحرير مع الاحتلال الإسرائيلي قبل 28 عاما، حولت مشروعها الوطني إلى مشروع استثماري لخدمة مصالح قيادات وشخصيات متنفذة تعتلي سدة الحكم وقريبة منه، وفق مراقبين.

ففي الوقت الذي يعاني فيه الشعب الفلسطيني أوضاعًا اقتصادية ومعيشية قاسية ويُحرم حقوقًا مهمة أبرزها التعليم والسفر والحياة الكريمة، تتوغل قيادات السلطة وأبناؤهم في الحصول على امتيازات كبيرة في التعيينات والسفر والتعليم على حساب "ميزانية الدولة".

ووثّق تحقيق نشره معهد "إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج)" في يونيو/ حزيران الماضي، تعيين 71 شخصا من أقارب مسؤولين في السلطة بوظائف إدارية ودبلوماسية فاعلة، خلال السنوات العشر الماضية، توزعت على 23 تعيينًا دبلوماسيا و48 حكوميا.

ويفسر ذلك تمسك مسؤولين في السلطة ومتنفذين مقربين منها بالرهان على اتفاقية "أوسلو" وملحقاتها الاقتصادية، رغم النتائج الكارثية التي لحقت بالشعب الفلسطيني منها من جهة، وتنصل الاحتلال من تنفيذ بنودها من جهة أخرى.

ومن أبزر مظاهر الفساد الأخرى التي تنتهجها السلطة، استغلال المناصب والواسطة والمحسوبية، وأخطرها تسخير الموارد المالية لصالح الشخصيات المتنفذة والمقربين من رئيس السلطة محمود عباس، حسب ما يقول الناشط والمعارض السياسي جهاد عبدو.

وأوضح عبدو في حديث لصحيفة "فلسطين" أن الشعب الفلسطيني يعاني من أخطر أشكال الفساد المالي الذي تنتهجه السلطة، ما ينعكس سلبيا على أوضاعهم المعيشية والاقتصادية، مبينا أن ما أسماهم "قبيلة أبو مازن" هم الفئة المسيطرة على مفاصل الحكم، ما يدفعهم لتسخير كل الموارد المالية والإمكانيات لصالحهم وأبنائهم وأقاربهم، في حالة تعكس التفرد والسلطوية.

واعتبر أن المشروع الوطني الذي كانت تتغنى به السلطة قد انتهى، وتحول إلى مشروع استثماري للمتاجرة في أموال الشعب الفلسطيني عبر مشاريع استثمارية لقادتها وأبنائهم، والحصول على امتيازات وبعثات خارجية.

استثمارات وشركات

وأشار عبدو إلى وجود استثمارات لدى أبناء عباس في شركات اتصالات، وقيادات أخرى في بنوك وشركات داخل الوطن وخارجه، عدا عن أن كل مقدرات منظمة التحرير أصبحت لصالح جيوب مسؤولي السلطة.

ولفت إلى أن كل الشخصيات المتنفذة في السلطة جاءت من إفرازات اتفاقية أوسلو التي حققت لها فوائد اقتصادية ومنفعية، وهو ما جعلها تتمسك بالاتفاقية المشؤومة التي كانت "خدعة كبرى" مررها الاحتلال على منظمة التحرير، عادًّا أنها "أخطر من وعد بلفور" إذ أن نتائجها الكارثية لا تزال تلقي بظلالها السوداء على حياة الشعب الفلسطيني، وتحتاج إلى سنوات طويلة للتخلص من آثارها.

وأكد أن فساد قيادة السلطة ينعكس سلبيًا على المواطنين ويُدخلهم في حالة إحباط شديد ويهدر طاقاتهم، عدا عن التأثيرات الاقتصادية السلبية، وإيجاد الطبقية داخل المجتمع، وارتفاع نسب الفقر والبطالة.

مظاهر فساد

ويتفق الناشط في مكافحة الفساد فخري جرادات، مع سابقه، مستعرضا بعض مظاهر الفساد التي تنتهجها السلطة، منها عدم وجود آلية لتداول الحكم بطريقة ديمقراطية وعدم وجود شفافية فيه، وعدم محاسبة المسؤولين على أخطائهم.

وانتقد جرادات في حديثه لـ"فلسطين" استئثار مسؤولي السلطة والمقربين منها بالقرارات والامتيازات على حساب أبناء الشعب الفلسطيني الذين يقدمون التضحيات من أجل وطنهم، مردفا "أصبح المطلوب من الشعب تقديم التضحيات والشهداء، في المقابل الامتيازات تذهب للحزب المحتكر للحكم والشخصيات المتنفذة المُحيطة به، وهذه السياسة تقتل الشعب وتُحبطه".

وأكد أن السلطة تنتهج سياسة التفرد بالحكم والقرارات، وترفض التشاركية في أي شيء، لذلك تستأثر بالأموال والامتيازات لصالحها وتحرم باقي فئات الشعب منها، مبينا أن استمرارها في هذا النهج ينعكس على الساحة الفلسطينية والانتماء والولاء، ومدى استعداد الفئات المسحوقة والشعب ككل للتضحية.

يُشار إلى أنه في ظل الأزمة المالية للسلطة التي تفاقمت بفعل جائحة كورونا عام 2020، بلغت نسبة تعيينات الأقارب 15 في المئة، من إجمالي التعيينات التي وثقها تحقيق (أريج) خلال السنوات العشرة الماضية. وحلّ عام الجائحة في المرتبة الثانية بنسبة 25 في المئة، بعد عام 2016.

وحتى نهاية أكتوبر/ تشرين الأول 2020، نشر ديوان الموظفين العام 7 إعلانات توظيف فقط، أغلبها بعقود مؤقتة. وشهد العام ذاته تعيين وترقية 11 شخصًا من أبناء وأقارب مسؤولين في وظائف حكومية ودبلوماسية، في الوقت الذي نصت فيه المادة 13 من القرار بقانون رقم 8 لسنة 2020 بشأن موازنة الطوارئ العامة على "الحد من التعيينات والترقيات بسبب حالة الطوارئ التي فرضتها جائحة كورونا".