فلسطين أون لاين

السلطة تتهرب من ضغوط حقوقية وأوروبية بإجراءات غير قانونية

جريمة اغتيال "بنات".. محاكم صورية لقتلته وتلفيق تُهَم لشقيقه

...
صورة أرشيفية
الخليل-غزة/ أدهم الشريف:

تثبت إجراءات السلطة الفلسطينية المتعلقة بجريمة اغتيال أجهزتها الأمنية الناشط والمعارض السياسي نزار بنات عدم وجود نية حقيقية لمحاسبة مرتكبيها تزامنًا وضغوطا كبيرة تمارسها على شقيقه غسان وعائلته، واعتداءات قاسية واعتقالات طالت متظاهرين من عدة محافظات بالضفة الغربية، لمطالبتهم بمحاكمة منفذي الجريمة.

لكن قمع السلطة وضغوطها المخالفة لمطالب عائلة بنات والفصائل والحقوقيين بمحاكمة عادلة بحق قتلة نزار، لم تفلح في كبح جماح أحد، في الوقت الذي تصر فيه عائلته على تنظيم مهرجان تأبين له خلال الشهر الجاري.

وفجر الخميس 24 يونيو/ حزيران 2021، اغتالت قوة من أجهزة أمن السلطة المعارض السياسي "بنات" ثاني أعضاء قائمة "الحرية والكرامة" الانتخابية، عقب اقتحام منزل كان يتواجد فيه بمدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية، الأمر الذي أثار سلسلة ردود فعل لا يزال صداها يتردد حتى اليوم.

"كتيبة إعدام" بالدلائل!

وفي تفاصيل قضية بنات وما تلا جريمة اغتياله، يقول رئيس قائمه الحرية والكرامة أستاذ القانون الدولي والعلوم السياسية د. أمجد شهاب، إن ما تعرض له نزار "جريمة قتل سياسي"، عادًّا أن عناصر أمن السلطة الذين نفذوا الجريمة كانوا على هيئة "كتيبة إعدام مهمتها القتل".

وأشار شهاب في حديثه لصحيفة "فلسطين" إلى أن الدلائل على ذلك كثيرة، أولها أنه لو كان هناك مذكرة اعتقال لذهب جهاز الشرطة واعتقله وليس جهاز الأمن الوقائي، مبينا أن عملية اقتحام البيت الذي كان يمكث فيه نزار، لا تدل على أن هناك نية للاعتقال بقدر ما تشير إلى نوايا بالقتل والإعدام، خاصة أن عناصر الوقائي كسروا النوافذ ودخلوا منها.

وذكر أن الأطباء اكتشفوا عشرات الكسور في جسد بنات، وقد غطت آثار الضرب والاعتداء أكثر من 25 بالمئة من جسده، مشيرًا إلى أنه تعرض في السيارة للخنق وهذا يدلل على أن الهدف من وراء ذلك كله القتل.

واستغرب شهاب طلب رئيس حكومة رام الله محمد اشتية تشكيل لجنة التحقيق وهو متهم رئيس في جريمة الاغتيال بصفته وزيرًا للداخلية المسؤولة عن أجهزة أمن السلطة، والتي قررت عائلة بنات ومؤسسات حقوق الإنسان الانسحاب منها، وقررت اللجنة في أعقاب ذلك تحويل قضية الاغتيال إلى المحكمة العسكرية.

وأبدى استغرابه أيضا من تحويل قضية مدنية تخص الرأي العام إلى محكمة عسكرية، مؤكدا عدم وجود ثقة بنتائج هذه المحاكمة غير العادلة والمنقوصة والمشوهة.

وأضاف أن المحكمة لن تلبي العدالة الكاملة والحقيقية في قضية نزار رغم اعتقال 14 من أفراد جهاز الأمن الوقائي، منبها إلى أن هؤلاء المعتقلين لا يخضعون على الإطلاق لظروف اعتقال حقيقية، فهناك من يحمل هاتفا، وبإمكانهم الخروج من الأكاديمية الأمنية في أريحا، مكان اعتقالهم، وقضاء أيام خارجها أيضًا، ومنهم من يشارك في مناسبات.

وبيَّن أن المعتقلين منفذي جريمة الاغتيال لم يتم التحقيق معهم بالطريقة السليمة، وهذا يدلل على أن ما يجري ليس محاكمة فعلية، مردفا أن ما حصل من اعتقالات واعتداءات بحق المتظاهرين والمتضامنين مع قضية "بنات" أدت إلى تحريك السلطة وتشكيل ضغط حقوقي وأوروبي عليها ما دفعها لاتخاذ إجراءات قانونية ومحاكمة صورية للتهرب وإظهار نفسها أنها تتعامل بالقانون.

وقال: إن السلطة تعمل على تحميل فرقة تنفيذ الأوامر المسؤولية الكاملة عن اغتيال بنات، علمًا أن قتلته ليس بينهم وبينه أي شيء، لكن المشكلة الأكبر كانت بينه والشخصيات الكبيرة، إثر حديثه عن ملفات فساد على مستوى عالٍ تخصهم، وكل ذلك يدلل على أن هذه المحاكمة المنقوصة غير كافية ولن تلب طموحات عائلة بنات والمتظاهرين المطالبين بمحاكمة قاتليه.

إجراءات مرفوضة

وأكد أن قائمة الحرية والكرامة ترفض كل هذه الإجراءات الناقصة والمشوهة، مطالبًا بمحاكمة عادلة خاصة ضد من اتخذ القرار ومن خطط له أيضًا ومن نفذ، معبرًا عن رفضه لتبرئة نيابة السلطة جزءا من المتهمين، لأن من يبرئ هي المحكمة وليست النيابة.

وتساءل: "كيف يُبرأ نائب مدير الوقائي في الخليل العميد ماهر أبو الحلاوة، بحجة أنه لم يكن في مسرح الجريمة وهو المسؤول المباشر عن فرقة الإعدام، وإلا كيف خرج عناصر الأمن الوقائي لتنفيذ جريمة الاغتيال، ألم يكن لديه علم بذلك وبالمهام التي ستنفذها القوة الأمنية؟".

وأضاف شهاب "حتى وإن لم يكن متواجدا في مسرح الجريمة، من المؤكد أنه كان يشرف بشكل كامل على الجريمة"، مشددا على أن جميع الإجراءات القانونية هذه تثبت عدم وجود جدية في تطبيق العدالة بشأن اغتياله.

وحول الشكل الذي من الممكن أن تنهي به السلطة إجراءاتها القضائية في قضية بنات، رجح أن تثبت التحقيقات أن اثنين من عناصر القوة الأمنية التابعة لوقائي الخليل، وهما شادي القواسمة وعزيز الطميزي، قد أجهزا عليه داخل المركبة التي أدخلاه إليها، وقد ينتج عن ذلك 12 حكمًا مخفضًا وحكمان مرتفعان، وهذا كله ضمن صفقة بين قيادة السلطة والعساكر المشاركين في الجريمة.

وأضاف أنه مقابل ذلك سينتج منح ترقيات وامتيازات ومكافآت مقابل السكوت والحفاظ على الصمت، وسيتلو ذلك إطلاق سراحهم بعد فترة وجيزة ضمن عفو سياسي أو ترحيلهم إلى سفارات خارجية كملحقين عسكريين فيها، مبينًا أن هذا الأسلوب متبع لدى الأنظمة الدكتاتورية.

ونبَّه إلى أن الهدف من هذا كله، التغطية بشكل كامل على المخطط للجريمة ومتخذ قرار تنفيذها، مرجحا حدوث مواجهة بين منفذي الجريمة والمسؤول الذي أعطاهم القرار بالتنفيذ خلال المحاكمة، وأنه من المتوقع ظهور حقائق جديدة لم تكشف من قبل، ما قد يدفع عوائل المتهمين وعددهم 14، للخروج عن صمتهم والبوح بالحقيقة بأنه كان لديهم أوامر تنفيذ قتل تحت الضرب.

وبيَّن أن الأفراد المعتدين على نزار كانوا يسألون "الطميزي" بشأن الكف عن ضربه، فكان يطلب منهم الاستمرار في ذلك حتى فارق الحياة.

عدالة منقوصة

من جهته، قال غسان بنات شقيق المعارض السياسي المغدور: إن لائحة الاتهام الموجهة ضد 14 من ضباط وأفراد الوقائي المتهمين بالجريمة، مرفوضة ضمن إجراءات عدالة منقوصة لا نقبل بها أو أن يكون هناك مجموعة من الجنود كبش فداء.

وشدَّد في حديث لـ"فلسطين" على أن عائلة بنات لن تحضر محاكمة قتلة نزار المقررة اليوم، لرفضها الشديد الاجتماع معهم تحت سقف واحد، وحفاظًا على السلم الأهلي لأنه من غير الوارد لدى العائلة الاشتباك مع أحد.

وأضاف أن ما حصل بحق نزار اغتيال سياسي، وهذا يعني أن هناك من أعطى الأمر بالتنفيذ وهناك من نفذ، لكن أن تتم محاكمات واختصار القضية بحق أشخاص معينين "فهذا لا نقبل به نهائيا".

وبشأن مهرجان التأبين، قال غسان إنه من المقرر أن يعقد في 18 سبتمبر/ أيلول الجاري، في ساحة المجلس التشريعي برام الله، وأرسلنا كتابا لرئيس الحكومة من خلال المحامي لكننا فوجئنا بقرار إغلاق الصالات ومنع التجمعات في المناطق العامة، بسبب تداعيات جائحة كورونا، علمًا أن عشرات المناسبات تقام حاليا في أرجاء الضفة الغربية، ولم يؤثر فيها البروتوكول الصحي المعلن للوقاية من الجائحة.

وتابع "من المقرر توجه محامي العائلة الخميس المقبل لإعلام محافظ رام الله بتوقيت المهرجان، وعندها سنسمع الرد".

وذكر أن السلطة لجأت للحل من خلال العشائر لكن ذلك مرفوض، مشيرا إلى أنها لم تستوعب أن يكون هناك ضباط وقائي في السجن ومحاكمات علنية تحت أنظار الإعلام.

وحول الاتهامات الغيابية الموجهة ضده، قال إن قضاء السلطة بناها ووجهها خلال 24 ساعة فقط محاولا بذلك التشويه والتهديد وإصدار أحكام غيابية و"قد نشرت السلطة صوري واسمي بالكامل على العلن بما يخالف الواقع عندما تُوجه تهمة لشخص ما، إذ تنشر رموز دالة على اسم المتهم وعائلته دون كشفها".

تهم ملفقة وضغوط

وعدَّ أن ذلك "يأتي ضمن محاولات السلطة لممارسة الضغوط والتشويه، لكن كل هذا لن يؤثر فينا، فيوم الخميس المقبل ذاهب إليهم لأنقض الحكم، وإذا قرر القاضي سجني فأنا جاهز".

وتعود خلفية الاتهامات الملفقة إلى يناير/ كانون الثاني 2021، عندما كان غسان أمين الصندوق لاتحاد الإسكان التعاوني، لكن انتخابات جديدة أجريت بموجبها كان عليه تسلم العهدة المالية، وتشمل مبلغ مالي بقيمة 6900 شيقل، وسندات قبض وشيكات وكمبيالات.

وتابع "عند تسليم المحاسب المتعلقات رفض أمين الصندوق الجديد استلام المبلغ المالي بحجة أنه ليس لديه صلاحيات، وقد أعطاني وزير العمل نصري أبو جيش، وهيئة العمل التعاوني كتابًا رسميا أنني حضرت وسلمت العهدة على أن يبقى المبلغ المالي عهدة إلى حين التسليم".

"لكن لا أعرف كيف وجهت لي اتهامات في ذات الإطار، وطلب مني تسليم نفسي حتى أنقض الحكم، في البداية رفضت التعامل مع الإجراءات القضائية هذه لكن بضغوط ممن حولي من الأقارب والمحبين، فإني ذاهب لإغلاق الملف الخميس للمثول أمام القاضي، وتقديم براءة الذمة أمامه، ولا نعرف إن كانت سيقرر سجني أم لا"، وفق غسان.