فلسطين أون لاين

"ابن الأرض" يُحيي ذاكرة الفلسطينيين ويربطها بالقرى المنسية

...
غزة/ هدى الدلو:

"الانتماء للأرض هو بوصلة لرؤية الأشياء رؤية مختلفة في الحياة"، بهذا الشعار يجوب "ابن الأرض" القرى الفلسطينية ليرمم ذاكرة الفلسطينيين بالقرى المهجرة، ويروي قصتها مدفوعًا بفضول حب الاكتشاف الذي نما معه بين جبال القدس، حيث ولد ويعيش.

الشاب يوسف أبو غوش (33 عامًا)، مهجر من قرية عمواس ويسكن في قرية أبو غوش الواقعة غرب مدينة القدس. قبل أعوام قليلة فقط لمعت في رأسه فكرة "ابن الأرض" لإحياء الأسماء والذاكرة الفلسطينية وراء الأماكن.

يقول لصحيفة "فلسطين": "أتجول كثيرًا في مناطق مختلفة في فلسطين، مشيتُ بشكل متواصل من طبريا حتى أم الرشراش، ودائمًا أنزعج من مسخ الهوية من الأماكن التي أزورها، وعدم وجود الفلسطينيين في تلك الأماكن".

ويهدف "ابن الأرض" من وراء جولاته ومسيره بين القرى إلى إعادة ربط الفلسطيني بأرضه، وتعزيز انتمائه لها، وتشجيع الناس على التجوال في الطبيعة، وقد تعزز تجواله وارتبط بالأرض في العامين الماضيين بفعل أزمة كورونا.

ويتابع أبو غوش: "في البداية لم أنشر شيئا عن الأماكن التي أزورها، وأحيانًا من شدة انزعاجي من انسلاخ الفلسطيني عن بعض الأماكن أنشر بشكل جزئي على صفحتي الخاصة، خاصة أني أحاول أن أسلط الضوء على الجانب غير المروي، وكنت أبحث كثيرًا عن الذاكرة الشفوية وقصصنا عن الأماكن".

ولاقت منشورات "ابن الأرض" على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي مثل: "إنستغرام" و"فيس بوك" ترحيبًا واسعًا، وإشادة بالقيمة التي يضفيها لهم.

و"ابن الأرض" هو لقب أطلقه عليه أصدقاؤه بسبب انتمائه وارتباطه بالأرض وكثرة وجوده بالطبيعة، ما دفعه لعمل صفحة خاصة تحمل الاسم نفسه، بهدف ربط الفلسطينيين بالطبيعة وبأرضه من خلال إعادة إحياء الأسماء الفلسطينية للأماكن، وإحياء تاريخهم وذاكرتهم الفلسطينية المنسية وراء الأماكن الموجودة.

ويسرد أبو غوش: "قبل زيارتي للقرى المهجرة أجري بحثا عنها ومقابلات مع مهجرين منها، وخلال زياتها أربط القرى بالمناطق المجاورة سواء كان جبلًا أو نهرًا أو حتى شجرة تاريخية، فهدفي اليوم هو أن أزور كل بقعة في فلسطين من قرى مهجرة، وخرب ووديان وجبال".

وفي تجواله يصطحب "ابن الأرض" معه بعض المعدات التي تختلف حسب عدد الأيام المخطط لها للمسير، فإذا كان المسير أسبوعا فسيحتاج إلى ما يعينه على التخييم كأدوات طبخ، وطعام، وملابس، وفرشة، وأدوات تصوير.

أما إذا كان التجوال ليوم واحد فيقتصر على عصا للمشي، وقبعة وماء وطعام، وخرائط للأماكن التي يود زيارتها، ومعدل الوزن الذي يحمله على ظهره بتجوال متواصل يزن ما يقارب ٢٥ كيلوغراما.

وبعد انتهاء أبو غوش من الجولة ينقل لمتابعيه أمرين: "الأول تجربتي الشخصية وما عشته وشعرت بها وما واجهته من صعوبات أو ما حققته من إنجازات، والثاني الجانب المعلوماتي وفيه أحاول إعطاء المتابع معلومات عن الأماكن وسرد قصص غير معروفة عنها".

وفي غالبية الأوقات يتجول "ابن الأرض" في القرى بفرده، وأحيانًا يسير في طرقاتها برفقة أصدقائه أو أفراد عائلته، أو أطفال صغار بهدف تعزيز انتمائهم لهويتهم الفلسطينية عن طريق ربطهم بالأماكن والطبيعة، خاصة أن (إسرائيل) تسعى لإضفاء المسميات العبرية على الأماكن وتشويه الذاكرة الشفوية والمعلومات عن الأماكن التي كادت تندثر، لذلك يحاول إحياء الذاكرة.

ترميم الهوية

ويحلم "ابن الأرض" أن يرى فلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948 يتجولون في المناطق المحتلة، يستخدمون أسماء المناطق الفلسطينية لا التي تفرضها سلطات الاحتلال، وعائلات تتجول بطبيعة فلسطين التاريخية، وآباء يصطحبون أبناءهم في مسارات لتأكيد عروبتهم، "فللأسف كثير من الأشخاص بالداخل المحتل لا يعرفون الأسماء الفلسطينية للمناطق المجاورة لسكنهم، وكنت جزءا من هؤلاء الناس".

ولم يخلُ مسار أبو غوش من بعض المشكلات، ومنها ما هو لوجستي، فعدة مرات انقطع من مياه الشرب ومشى كيلومترات دون ماء، وتاه في الصحراء بعدما فقد الخارطة التي بجعبته، والمشكلة الثانية تتعلق بوجود الاحتلال، ومحاولة اعتقاله بسبب وجوده في مناطق محاذية للمستوطنات، "فوجود العربي الفلسطيني في تلك المناطق مزعج لهم".

ويكمل: "وفي حال الوجود بالمناطق التي يعدها الجيش مناطق عسكرية مغلقة ويتطلب دخولها الحصول على تصريح مسبق، ومن الصعب الحصول عليه لكوني عربيا فلسطينيا، وفي كثير من المرات اضطر لدخول تلك المناطق دون تصريح وهذا بحد ذاته مشكلة".

ويرى "ابن الأرض" أن المحتوى الذي ينشره مُثرٍ ولكنه غير مناسب للعصر الذي يبحث فيه الناس عن صورة دون جوهر أو شيء يضحكها، "ولكن بالمحصلة هدفي ليس جمع اللايكات بقدر ما هو نشر محتوى مثرٍ".

وقد وصلته عدة عروض لتحويل "ابن الأرض" لبرنامج تلفزيوني، لكنه رفض لشعوره أنه سيختزل رسالته التي يسعى لإيصالها، وذهب باتجاه العمل على تطوير صفحته وزيادة عدد مشاهديها، وإنتاج الفيديوهات.

وعند اكتشاف "ابن الأرض" مكانا جديدا أو آخر استطاع الوصول إليه بعد سعي حثيث يشعر بنشوة الانتصار، فيرتفع لديه هرمون الأدرينالين لتغمره السعادة والنصر والإنجاز.

ويطمح أن يترجم أهدافه إلى برامج فعلية، منها عمل مجموعات متجولين فلسطينيين لإثراء محتوى التجوال الفلسطيني، وعلى المستوى المهني الدمج بين مجال عمله في الاستشارات التنظيمية والتجوال بالطبيعة.