تتضارب التقديرات لدى الاحتلال الإسرائيلي حول مسار هرب الأسرى الستة، فهو يعمل على عدة سيناريوهات: إمكانية هربهم إلى الحدود مع سوريا، أو لبنان، أو الأردن، أو حتى الخشية من وصولهم إلى غزة، وفي الوقت ذاته يعزز من البحث في داخل القرى والمدن الفلسطينية لاعتقاده أنه ربما يكونون داخل الضفة، ولم يتخطوا هذه الحدود أيضا، كل ذلك يعكس مدى افتقار العدو لأي معلومات استخبارية يمكن أن تقود إليهم.
الأمر الذي يجعل مهمة البحث عن الأسرى مهمة شاقة للغاية ومحفوفة بالمخاطر في ظل انتفاض مناطق مختلفة داخل الضفة ضد نشاط جيش الاحتلال، وتصاعد المواجهات المباشرة التي تطورت لإطلاق النار في مناطق عدة منها: (جنين، رام الله، القدس) واستعداد الجمهور الفلسطيني لتقديم أي نوع من المساعدة لهؤلاء الأبطال، على اعتبار أن تأمينهم وإمدادهم بالمال والسلاح هو عمل وطني بامتياز.
لكن الاحتلال وعلى الرغم من خطورة هذه المهمة فإنه عازم على إغلاق هذا الملف بأقصى سرعة من خلال الاعتقال أو التصفية الجسدية، وذلك لكون هذه العملية التي حرر بها الأسرى كان لها ارتدادات كارثية على المستوى السياسي الذي يمسك "بخيوط مهترئة" لحكومة تتلقف الانتكاسات تباعا سواء في السياسات الداخلية أو الخارجية وبالكاد تسير (بمركبة دون مقود)، ففي ظل رغبتها في تحقيق الهدوء والتقدم بنقاط جديدة تجد نفسها مدفوعة إلى مزيد من التصعيد الذي "يهز عرش الحكومة" ويجعل الملك في مهب الريح كما في لعبة الشطرنج.
فالاحتلال الإسرائيلي اتخذ إجراءات غير مسبوقة من خلال: إقامة ما يزيد على 300 حاجز عسكري، ونصب ما يقارب 89 نقطة تفتيش قريبة من سجن جلبوع، وسير مئات المركبات العسكرية المصفحة للتوغل داخل البلدان والقرى الفلسطينية، التي زادت على 700 مركبة، ودفع بمئات الجنود الراجلين لنبش الأرض والبحث في كل زقاق، في حين حلقت عشرات الطائرات الاستطلاعية لتأمين القوات العاملة والمساعدة في جهود البحث.
وبالتوازي مع ذلك، أقام "غرفة عمليات مشتركة" مع الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة في الضفة، وذلك بغرض التعاون والتبادل الاستخباري ومواصلة البحث في المناطق التي يتعذر دخولها، ويتطلب اجتياحها والبحث فيها جهودًا غير عادية قد تتعرض فيها قوات الاحتلال لمخاطر محتملة، ولقدرة أجهزة السلطة على نشر عناصرها وتفعيل مندوبيها داخل المناطق وخصوصا في محيطهم العائلي، والتنظيمي، وأماكن مفترضة أخرى.
وفي السياق ذاته يجري تحقيقات موسعة في مسارين: المسار الأول التحقيق مع ضباط مصلحة السجون، والمسار الثاني التحقيق مع أسرى الجهاد ومن له علاقة مباشرة بالأسرى الستة، ويتزامن ذلك مع نقل بعض الأسرى وعزل آخرين، في حين تُجري فرق خاصة تفتيشا هندسيا للسجون خشية من وجود حفر أخرى معدة للهرب أو أدوات يمكن أن تستخدم في ذلك لاحقا.
لكن ذلك يجري في ظل "تكتم شديد" فرضه المستوى السياسي والأمني والقضائي لمنع تسرب أي معلومة يمكن أن تفيد الأسرى، واللافت أنه لا يوجد أي تقدم حقيقي في جهود البحث عنهم، وهذا واضح من خلال عمل أجهزة الاحتلال التي ما زالت تبحث في كل مكان، إضافة لما يتسرب من الإعلام العبري، ومؤخرا ما تحدث به رئيس قسم العمليات في شرطة الاحتلال، الذي أفاد بأنه تم فحص عشرات النقاط والإشارات الاستخبارية والمعلومات، وتنفيذ عشرات المهمات الخاصة، لكن لا تقدم في مطاردة الأسرى، ولم تتكون صورة واضحة حتى الآن.
فمرور ساعات ثم أيام على هرب الأسرى من سجن جلبوع العسكري يخلقًا تهديدًا حقيقيًّا على الأمن الإسرائيلي، لأن هناك مخاوف محتملة في اتجاهين: الأول الخشية من توجيه هؤلاء الأسرى ضربات للأهداف الإسرائيلية، والثاني الخشية من إمكانية اشتعال الضفة الغربية واندلاع مواجهات واسعة ومفتوحة في كل المناطق، لكن الأكثر خطرا أيضا هو اشتعال مناطق الداخل المحتل، أو إطلاق الصواريخ من قطاع غزة.
لذلك فإن استمرار العدوان على الأسرى داخل السجون، وسيناريو تصفية الأسرى في أثناء محاولات البحث الجارية، سيدفع فصائل المقاومة لإطلاق الصواريخ على الأهداف الإسرائيلية، وربما يكون ذلك سببا لاندلاع جولة جديدة من القتال، وهذا أيضا سيشكل حافزا لإشعال الضفة مجددا ودفع بعض الخلايا النائمة لتوجيه ضربات للجنود والمستوطنين في مناطق مختلفة.
وعليه فإن المشهد يتدحرج نحو مزيد من التصعيد في ظل واقع خطِر ومعقد سيخلق الكثير من التحديات في وجه الاحتلال والسلطة الفلسطينية التي تحرص على احتواء الموقف ومنع اشتعال المنطقة مجددا، لأن أي انتفاضة أو مواجهة تهدد وجودها وتعرض مصالحها للخطر، وهذا ما يدفع الأسرى لبذل أقصى درجة من الاحتياط في التخفي عن أعين الاحتلال وأجهزة السلطة على حد سواء، والتحرك بسرية تامة وعدم الاقتراب من أي دائرة تنظيمية أو اجتماعية يمكن أن تكون تحت مرمى وعين الاحتلال ومتعاونيه.