وسط درج الحارة القديمة الكبير من جهته الغربية كان مدخل دار أبو خلف السكران ودار أبو رشاد الصاحب، أما الشرقية فكان مدخلا لبيت الشيخ عواد ثم بيت أبو عاطف مبيض النحاس وأسفله بيت أم خميس وأبو عمر بائع المشاوي ثم غرفة أم رفعت التي هي عبارة عن "خشة" صغيرة تعيش فيها مع زوجها العجوز أبو رفعت، وأم رفعت في ذلك الوقت ربما كانت في منتصف العقد السادس من العمر، قصيرة ونحيلة بدقة كحل واضحة على الذقن، تلبس ثوب الشرش وتلف رأسها بقماش أبيض يظهر القدم عليهما في حين كان أبو رفعت القصير أيضا نحيلا بشارب أبيض يشوبه الصفار لكثرة تدخينه ما يعرف بالهيشة.
في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي كان الناس على طيبة فطرية فيها كل الاستعداد للمساعدة وأعمال الخير، وكان سكان الحارة لا يبخلون على بعضهم البعض ويقدمون العون لمن يحتاجه ولم تكن أم رفعت بعيدة عن أهل الخير علما أنها لم تطلب أمرا ولم تتسول أبدا. وكان لافتا أنه لا أحد يزورهم ولم يكن معروفا أن لهم أقارب أو حتى أبناء أو بنات.
غرفة أم رفعت أو خشتها كانت ملاصقة لسور واطٍ قديم كان الأولاد يستغلونه للقفز منه نحو الدرج الصغير حيث بيوت أبو سمير خشيبون بائع الجرابات وأبو جهاد البيطري وأبو نايف العبويني وأعلى الدرج بيت أم عبده اللحام. أما غربه فيؤدي إلى بيت أبو كايد عامل البلاط وأبو الراغب البائع المتجول، ثم إلى بيت أبو السعيد الهيجاوي وأبو حاتم الراعي ثم بيت أبو زكي البطاينة ثم الساحة التي تتصدرها بناية أبو فاروق ست أبوها تاجر الفحم وأبو نبيل ست أبوها وأبو فؤاد عصفور أقدم سائق سرفيس في إربد.
وصف المكان يكشف أن غرفة أم رفعت تقع في منتصفه تماما ما يعني أنها رغم وحدتها وزوجها كانت محاطة بكل الناس الطيبين. وتوالت السنين، وفي بدايات عام 2000 كنت في زيارة للأهل في إربد وقد شاهدت أم رفعت لآخر مرة وقدرت أنها على مشارف قاربت المئة عام تقريبا، كانت تسير حافية وفاقدة ذاكرة دون ريب وذلك في طلعة دار الجمل أو الاستنبولي المقابلة لمضافة الرشيدات، كان المنظر مثيرًا للحزن وهو لا يغادر المخيلة.
وعلمنا لاحقًا في الحارة أنه كان لها ابن هو رفعت، وأنه يعمل سائق شاحنة "تريلا "خطوط خارجية، وكان أمّيًا لا يقرأ ولا يكتب. وفي تلك الأيام كان على سائق الخطوط الخارجية أن يتقن التعامل مع الحدود والجمارك وإدارة ثمن البضائع المنقولة وإرسال الامانات والكثير مما يتطلبه السفر عبر الحدود من دولة إلى أخرى، ورفعت هذا بلا قدرات تمامًا لإدارة أي أمر غير أنه سائق محترف، وعلمنا أيضا بعد ذلك أنه تزوج وكانت زوجته تسافر معه للقيام بواجبات التخليص والتعامل مع الحدود، ما يعني أن رفعت يركب الشاحنة وزوجته معه وليس أكثر من ذلك من أعمال. وأظن حاله حال حكومات كثيرة تجيد الركوب فقط وهناك من يدير أعمالها راكبًا أيضًا.