فلسطين أون لاين

ابتكر وزرع قلبًّا اصطناعيًّا نوعيًّا

مشرط البروفيسور "أسعد هنية" يهدي قلوب اليائسين حياة جديدة

...
البروفيسور أسعد هنية (أرشيف)
ألمانيا-غزة/ مريم الشوبكي:

وحدها الصدفة من قادت البروفيسور أسعد هنية للإمساك بمشرط جراحة القلب، مهديا الحياة لمن فقدوا الأمل بالنجاة، وذلك حينما التقى قدرًا بجراح قلب ألماني مغرم بالشعب الفلسطيني، اتخذه كابن له، واصطحبه معه في كل عملية يجريها، وجعل نفسه كتابا مفتوحا ينهل منه أسعد علوم جراحة القلب وزراعته واصلا بها إلى العالمية.

كل عام يضج هاتف هنية برسائل الشكر والعرفان من الناجين بقلوبهم بعد اليأس "شكرا لأنك أهديتنا حياة جديدة" إذ يعيشون ميلادًا جديدًا بعد نجاحه في إعادة النبض إلى قلوبهم مرة ثانية، وهذا كفيل بأن ينعش قلب الجراح العالمي ويجعل جذوة الاجتهاد مشتعلة لينقذ المزيد من القلوب المنهكة.

أسعد ابن حي الصبرة في مدينة غزة، يشغل حاليًّا منصب نائب مدير مستشفى جراحة القلب والأوعية الدموية في المركز الطبي لجامعة "شليسفيغ هولشتاين" بألمانيا، ورئيس قسم زراعة القلب وأنظمة الدعم الميكانيكي فيها.

عاش أسعد (43 عاما) طفولة جميلة في غزة التي التحق بمدارسها، فكان مميزًا وبارعًا منذ صغره، فدأب والداه على مناداته بالدكتور أسعد.

كبر الحلم في قلبه مقررًا تحقيقه، حيث انتقل البروفيسور هنية إلى ألمانيا بعد أن أنهى الثانوية العامة لتبدأ رحلته مع الطب. خاض معتركًا صعبًا في تعلم اللغة الألمانية ليلتحق بركب زملائه في المقاعد الجامعية ويتفوق عليهم.

عبر الهاتف تواصلت "فلسطين" مع البروفيسور أسعد الذي يقطن حاليًّا في مدينة كيل الألمانية، ليكشف أسرار تحقيقه إنجازات نوعية لم تنتهِ بزراعة أول قلب صناعي نوعي في ألمانيا والعالم.

يقول: "لم أفكر يوما بدراسة جراحة القلب، بل كان هدفي دراسة الجراحة العامة، ولكن الصدفة جمعتني بجراح قلب ألماني مغرم بالشعب الفلسطيني، وهو من دفعني لدراسة جراحة القلب وقادني لتحقيق هذه الإنجازات بعد أن نهلت من علمه وخبرته، فمنذ عام 2005 عام حينما تخرجت في الجامعة وحتى اليوم أعمل جراحًا".

إلى جانب عمله الجراحي يواظب البروفيسور أسعد على الاهتمام بإجراء الدراسات والأبحاث العلمية في مجال زراعة القلب وأنظمة الدعم الميكانيكي، وقاده ذلك إلى الحصول على الدكتوراة في طب جراحة القلب وزراعته عام 2013.

ومسيرة الإنجاز لا تزال ممتدة منذ 16 عاما، أجرى فيها عمليات مميزة على مستوى العالم في زراعة القلب وأنظمة الدعم الميكانيكي، إضافة إلى أبحاث نوعية أوصلته لابتكار أجهزة تستخدم في هذا المجال حملت اسمه، منها جهاز يعد ماكينة تساعد في إجراء عمليات القلب المفتوح، خاصة للمرضى الذين يعانون قصورا في القلب.

ليس الأول ولكن..

أما عن قصة زراعة القلب الاصطناعي الذي عدّ إنجازًا دوليًّا على المستويين العلمي والطبي، يتحدث بروفيسور أسعد مفصلا: "عملية زراعة القلب الاصطناعي تُعد إنجازًا نوعيًا للغاية، ولكن ما أود توضيحه أنه ليس أول جهاز قلب اصطناعي تتم زراعته، ولكنه يختلف كليًّا عن كل الأجهزة السابقة، فهو يشبه القلب البشري إلى درجة كبيرة جدًا، وصماماته تشبه صمامات القلب البشري، وأغشية الجهاز مصنوعة من نسيج حيوي لا يضطر فيه المرضى إلى تناول أدوية مميعة للدم بعد زراعته".

ويردف: "ما يميز القلب الاصطناعي أيضا أن الجهاز يحمل أنظمة استشعار للنبض وهذا ما لا يتوافر في أجهزة القلب الاصطناعي الموجودة حاليًّا، وهذا الفرق يعين الإنسان على العيش لسنوات أطول".

ويوضح أن القلب الاصطناعي يسمح بالاستقرار في حالة فشل كلا البطينين، وذلك على عكس الأنظمة السابقة، التي تعمل بشكل أساسي على دعم البطين الأيسر.

ويلفت إلى أن نوعية الإنجاز تكمن بمعالجة قصور القلب الثنائي (الأيسر والأيمن)، خلافاً لطرق زراعة القلب الصناعي السابقة لمعالجة فشل القلب الأيسر فقط.

ويقول بروفيسور أسعد إن عملية زراعة القلب للمريض استغرقت 9 ساعات، ووضع بعدها تحت المراقبة لمدة 10 أيام، ومن المتوقع أن يغادر المركز الطبي للجامعة خلال شهر ليعود إلى ممارسة حياته الطبيعية، وخلالها يتم تدريبه على كيفية التعامل مع الجهاز وتغيير البطارية كل ست ساعات.

وبدأت رحلة صناعة القلب الاصطناعي قبل 15 عامًا من قبل شركة طبية فرنسية، لمساعدة المرضى الذين يعانون قصورا حادا في القلب، بهدف تقليل الوفيات، وحل مشكلة عدم تقبل الأشخاص عمليات زراعة الأعضاء.

100 بحث علمي

وعن أكثر المواقف التي حفرت في ذاكرة البروفيسور أسعد، حينما طلب منه أن يسافر تطوعا لإجراء عملية لشاب فلسطيني يعيش في مخيمات لبنان كان يعاني قصورا حادا في القلب بعد حملة تبرعات لشراء جهاز ميكانيكي داعم للقلب، فلم يتردد لحظة في إنقاذ حياة إنسان.

وفي غرفة العمليات يمكن أن تمتد العملية الواحدة 12 ساعة متواصلة، مع دوام عشر ساعات يوميًّا داخل المستشفى، حيث يُجري البروفيسور أسعد بين 300 إلى 400 عملية سنويا في جراحة القلب، مؤكدًا أن الاجتهاد المتواصل هو سر النجاح، حيث أنجز أكثر من 100 بحث علمي نشرت في صحف علمية على مستوى العالم.

زراعة القلب الاصطناعي بعد نجاح العملية الأخيرة للبروفيسور أسعد، هل يعني أنها أصبحت أكثر أمانًا، يقول: "ما تم إنجاز رائع، ولكن هل يمكن أن يكون حلًا نهائيًّا لمرضى القلب، الإجابة عن هذا السؤال مرتبطة بالأبحاث والتجارب التي ستُجرى خلال عامين إلى خمسة أعوام قادمة".

وتطوير جراحة القلب وزراعته في فلسطين هي طموح البروفيسور أسعد، على الرغم من النجاحات العالمية التي حققها في الغربة، ولكنه ينتظر يوما يعود به إلى وطنه لمنحه من علمه وخبراته ويترك بلاد الغربة بلا رجعة "أنقذ حياة الناس في بلاد الغرب، وشعبي يفتقر لذلك، فالأَوْلى إنقاذ أبناء شعبي".

الفلسطيني يبدع خارج وطنه ويصل إلى العالمية، ولكن في الداخل لا يستطيع تحقيق ذلك، يرفض البروفيسور أسعد هذه المقولة قائلا: "ما دام للإنسان هدف ويمتلك الإرادة، ويثابر ويجتهد من أجل تحقيقه سيصل في نهاية المطاف إلى المكان الذي يريد".

ويشغل البروفيسور أسعد عضوية تجمع الأطباء الفلسطينيين في أوروبا، ولغزة نصيب من زياراته الطبية والتطوعية الخارجية، ففي كل عام يصل إلى القطاع، ويجري عمليات برفقة عدد من الأطباء الفلسطينيين المقيمين في ألمانيا.