لا يتردد الإسرائيليون في الإعراب عن خيبة أملهم مما يعدونه نجاحًا لقدرة الفلسطينيين على تسويق روايتهم أمام الرأي العام العالمي للصراع مع (إسرائيل)، خاصة عدّهم اليهود الأشكناز من نسل الخزر، وليس لهم صلة باليهود الذين عاشوا في فلسطين قبل ألفي عام، أما الشعب الفلسطيني فهو صاحب هذه الأرض، لأن الفلسطينيين من نسل الكنعانيين وغيرهم من الشعوب التي عاشت هنا قبل وصول بني إسرائيل، ويعدون الصهيونية أداة استعمارية وإمبريالية، تستخدم كجسر في الحرب على المسلمين.
يحصل ذلك رغم شبكة العلاقات السياسية الواسعة التي تحوزها دولة الاحتلال في الإقليم والمجتمع الدولي، لكن الأوساط الفكرية والثقافية والإعلامية بالعالم بات لديها قناعة -وهذا وفق القراءة الإسرائيلية- أن الفلسطينيين يرون صراعهم مع (إسرائيل) متعدد الأبعاد، ويتضمن نضالًا عنيفًا، وكل أنواعه مسوغة أخلاقيًّا.
وربما لأسباب التكلفة والعائد اندفعوا للتركيز على "المقاومة الشعبية اللا عنفية"، ومن أساليبها إلقاء الحجارة وقنابل المولوتوف، وعمليات الطعن، وهجمات الدعس، وصولًا إلى استخدام أدوات أكثر خشونة عبر البالونات الحارقة والتظاهرات على طول السياج، مع وجود إمكانية لتنفيذ هجمات بالأسلحة النارية في الضفة الغربية وقطاع غزة.
حسب هذه الرواية الفلسطينية للصراع مع (إسرائيل)، إن الفلسطينيين هم ضحايا في هذا الصراع، ولديهم الحق في استخدام كل أنواع النضال، وليس لـ(إسرائيل) والغرب، المسؤولين عن معاناتهم، الحق في انتقادهم لدعمهم لهذه المقاومة، ولا ينبغي الاعتراف بـ(إسرائيل) دولة قومية للشعب اليهودي، لأنها غير موجودة عمليًّا، وفي الحد الأدنى يمكن قبولها مؤقتًا دولة لجميع مواطنيها، وهذا يتعارض مع الفكرة الصهيونية من الأساس.
لعل خيبة أمل (إسرائيل) هذه دفعتها في الآونة الأخيرة لاستئناف علاقاتها مع السلطة الفلسطينية، والتأكيد على مواصلة التعاون الأمني معها، والتضييق على خطوات المقاومة من جهة، ومن جهة أخرى الخوف من انهيار هذه السلطة بسبب محنتها المالية، لأنها تعيش ضائقة سياسية واقتصادية، وقد مرت بالفعل بأزمات أكثر ضيقًا.
تتخوف (إسرائيل) من مغبة انهيار السلطة الفلسطينية بسبب الأزمة الاقتصادية الشديدة التي تعانيها، لا سيما بسبب الأضرار التي لحقت بتدفقها النقدي، ووقف المساعدات العربية والدولية، وتراجع مكانتها، وتوقيع اتفاقات التطبيع، وإلغاء الانتخابات العامة، ومقتل وملاحقة معارضيها السياسيين.
تعتقد (إسرائيل) أن بقاء هذه السلطة الفلسطينية قائمة -ولو بالحد الأدنى- يساعد على تسويق روايتها بشأن عدم وجود احتلال في الأراضي الفلسطينية، ولذلك هي تولي أهمية كبيرة لمنع التصعيد الأمني بالضفة الغربية على المدى القصير، وتعتقد أن أفضل طريقة لذلك هي تحسين الوضع الاقتصادي، بتحويل الأموال للسلطة، أو زيادة عدد تصاريح العمل في (إسرائيل)، نظرًا إلى أنه المحرك الرئيس للاقتصاد في الضفة الغربية.