ما زال انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، والاستيلاء السريع لحركة طالبان، يثيران مخاوف إسرائيلية بشأن سيناريو مماثل يحدث في الضفة الغربية، ما يعني أنه يمكن استخلاص الفلسطينيين العديد من الدروس مما حصل في أفغانستان.
تعتقد الأوساط الإسرائيلية أن الأحداث التي صاحبت الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، ساهمت بتشكيل الوعي على الساحة الدولية، وترى في هذا الانسحاب تعبيرا عن ضعف أميركي، وفي الوقت ذاته تشكيل سردي لتراجع القوة الإستراتيجية، وعدم صلاحية صمودها أمام العناصر الجهادية، وتصميمها، ولعل ذلك يقلق الإسرائيليين انطلاقا من كونه يثبت بالفعل أن هذه الرواية مصدر إلهام للمقاومة الفلسطينية.
في ظل هذه الخلفية يبدو السؤال مطروحا: هل ما حدث في أفغانستان يحمل سيناريو يتوقع حدوثه في الساحة الفلسطينية، خاصة إذا أخلت (إسرائيل) مناطق في الضفة الغربية كجزء من اتفاق مع الفلسطينيين، مع أن الافتراض الإسرائيلي يرى أن إخلاء (إسرائيل) للضفة الغربية، أو أجزاء كبيرة منها، سيؤدي، على الأقل في المدى القريب، إلى عدم الاستقرار في الساحة الفلسطينية، وسيحث حماس بالتأكيد على محاولة توسيع نفوذها في أراضيها.
تزعم التقديرات الإسرائيلية، في محاولة منها لرفض أي فكرة أو مقترح بالانسحاب من الضفة الغربية، أو أجزاء منها، أن سيطرة حماس على هذه الأجزاء ستتحقق أمام السلطة الفلسطينية التي ستشهد فقدانا للسيطرة المركزية، وفي هذه الحالة قد تتطور الأحداث إلى عدد من السيناريوهات، أهمها امتداد الصراع في الضفة الغربية إلى داخل حدود فلسطين المحتلة 48.
يتخوف الإسرائيليون أن فقدان السيطرة المركزية للسلطة الفلسطينية بعد ذلك الانسحاب المفترض، يعني إطلاق العنان لعناصر مسلحة التي ستسعى لتصعيد التوتر في الساحة الإسرائيلية الفلسطينية، وهنا قد تلجأ (إسرائيل) لحماية السلطة الفلسطينية من جهود قوى أخرى لانتزاع مكانتها الرسمية العليا منها.
تأتي هنا المقارنة الإسرائيلية بين وضع أفغانستان والضفة الغربية، بالرد على من سيطلبون من (إسرائيل) عدم التدخل في حالة عدم الاستقرار الفلسطيني بعد أي انسحاب من أجزاء من الضفة الغربية، لأنهم في الحقيقة يشيرون إلى اختلاف جوهري بين موقف (إسرائيل) تجاه الأراضي الفلسطينية، وموقف الولايات المتحدة من أفغانستان، وعلى الرغم من عدم وجود تقارب جغرافي بين (إسرائيل) والأراضي الفلسطينية وبين أفغانستان.
مع أن (إسرائيل) قد تأخذ بعين الاعتبار الوضع الحالي في ساحة الصراع مع الفلسطينيين، وإمكانية أن تنزلق إلى واقع دولة واحدة، بكل المعاني السياسية والاجتماعية، والقيم السلبية التي تصاحبها، على الرغم من أن تنفيذ ذلك الانسحاب من الضفة الغربية، أو بعض أجزائها، تعني انفصالا عن الفلسطينيين، وتحمل تبعات يراها قطاع واسع من الإسرائيليين أنها إيجابية، أهمها وضع حدود دائمة لـ(إسرائيل)، وتعزيز مكانتها في المنطقة، وتهدئة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني على المدى الطويل.