عقودٌ من الثورة والجهاد خاضها الشعب الفلسطيني في مقارعة المحتل الصهيوني؛ لم يكن فيها بمعزل عن ضمير الأمة ووجدانها، بل كانت القضية الفلسطينية حاضرة دومًا في الوعي الجمعي العربي والإسلامي، وعلى سلم أولويات واهتمامات الجماهير العاشقة لفلسطين، والراغبة في دعم جهادها ومقاومتها بالغالي والنفيس، أملًا في تحقيق حلم التحرير والعودة وتحرير الأسرى وتطهير المسرى، والخلاص من الكيان السرطاني الذي زرعه الغرب الظالم في جسد الأمة، إمعانًا في تمزيقها وتفتيتها إلى دويلات وممالك متناحرة.
جماهير الأمة عبّرت باستمرار عن انتمائها العميق للقضية الفلسطينية في كل مناسبة وعند كل نازلة ومع كل حدث، وذلك برغم تأرجح المواقف الرسمية للحكومات التي سمحت للشعوب بالتعبير عن تضامنها مع فلسطين حينًا، وضيّقت على شعوبها في ذلك أحايين كثيرة، فقد رأينا المسيرات الحاشدة والفعاليات الطلابية وحملات التبرعات الرسمية والشعبية في معظم العواصم العربية والإسلامية، أما اليوم مع ما تشهده شعوب الأمة من قمع وترهيب، وتضييق واعتقال، على يد الحكومات التي خذلت فلسطين وهرولت نحو التطبيع؛ فقد باتت وسائل التواصل الاجتماعي هي المتنفس الوحيد للشعوب للتعبير عن وفائها لفلسطين والقدس والمقاومة.
الكيان الصهيوني والحكومات الغادرة راهنا على كي وعي الشعوب وطمس هويتها، وزعزعة انتمائها لقضية المسلمين الأولى فلسطين، عبر إشغالها بقضاياها الخاصة المتعلقة بثورات الحرية والكرامة، أو توريطها في خلافات ونزاعات بينيّة مرتبطة بالحدود والمصالح القومية المختلفة، فكانت المفاجأة الصادمة لأولئك المتآمرين أن القضية الفلسطينية ما زالت حاضرة بقوة في دائرة اهتمام وعناية الشعوب، بل إنها -أي القضية الفلسطينية- باتت أكثر حضورًا عند الجماهير، بعد تشديد الحصار على المقاومة، وتعطيل خطوط الإمداد وتجفيف منابع الدعم عنها، بعد أن أثبتت المقاومة صلابتها وعنفوانها، وقدرتها على الصمود وإيلام المحتل وإساءة وجهه وإرغام أنفه.
ثمة أحداث وقعت أخيرًا تثبت ما تقدّم، مهما حاول المخذّلون التشكيك في هذه الحقيقة الواضحة، والادّعاء أنه لا يمكن المراهنة على الأمة وشعوبها، لأنها باتت مشغولة بهمومها الخاصة، وباتت القضية الفلسطينية لا تعني لها الكثير، فقد رسّخت معركة سيف القدس الأخيرة فكرة أن جماهير الأمة الإسلامية من جاكرتا إلى نواكشوط تقف خلف حق الشعب الفلسطيني في الجهاد والمقاومة، وأنها هو السبيل الوحيد لانتزاع حرية الأمة وكرامتها عبر تحرير فلسطين من أغلال المحتل الصهيوني، فقد بات مستقرًّا لدى الشعوب أن لا حرية ولا استقرار للأمة ما بقيت فلسطين أسيرة.
إن الزيارات الأخيرة التي قامت بها قيادة المقاومة إلى عدد من العواصم العربية والإسلامية، والحفاوة التي استقبلتها بها الفعاليات الشعبية والأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني في قطر ولبنان وتركيا والمغرب وموريتانيا وغيرها؛ تشير إلى عمق ارتباط الشعوب بفكرة المقاومة وتعطّشها للانخراط في برنامجها، لولا حدودٌ مانعة وسدودٌ حاجزة، ولقد جاءت مشاركة قيادة حركة حماس في مراسم تشييع جثمان القيادي في الحركة "إبراهيم غوشة" في العاصمة الأردنية عمّان، والاستقبال الجماهيري الحاشد من الشعب الأردني، والهتافات الحماسية لقيادة المقاومة؛ لِتؤكد ثقة شعوب الأمة بقيادة المقاومة، وقناعتها الراسخة بأنها هي الأمينة على حقوق الأمة ومقدساتها وحقوق وثوابت شعبنا الفلسطيني.