رغم حالة التجييش الإعلامي والتحريض الدعائي اللذين يمارسهما الاحتلال على نخبه السياسية والصحفية، في محاولة منه لجعلها تصطف خلف مزاعمه الخاصة بتصوره للوضع الأمني في غزة؛ أخفق في تسويق هذه "البضاعة" لدى جميع تلك الأوساط، وإن بقيت في معظمها تقف على يمين المؤسستين العسكرية والأمنية، وتستعدي الفلسطينيين.
في الوقت ذاته إن الأحداث الأخيرة على حدود غزة دفعت محافل إسرائيلية نافذة للاعتراف أن الرسالة الفلسطينية في غزة لم تتغير، ومفادها أنه ما لم تحصل غزة على ما تريده؛ لن يكون هناك هدوء في (إسرائيل)، ولذلك مع ما نشهده اليوم في غزة ببطء، وتدريجًا، تفقد (إسرائيل) أوراق الضغط على غزة، وقد تلقت في الأسبوع الماضي درسًا حول ما قد ينتظرها في غياب حل مع الفلسطينيين.
لقد بدا واضحًا أن حادث إطلاق النار من مسافة صفر على جندي حرس الحدود، ومقتله قبل ساعات، لم يخف الفلسطينيين، لاعتقادهم أن (إسرائيل) ستحتوي الحادث، رغم خطورته، والأخطر وجود قناعة رائجة لدى الاحتلال مفادها أن قوى المقاومة حين تسخن الحدود مع غزة، وربما تدخل جولة من القتال؛ فإنها ستكون قادرة على إيصال الرسالة ذاتها التي لم تتغير.
الرسالة الفلسطينية القديمة -الجديدة أنه ما لم تحصل غزة على ما تستحقه، لن تنعم (إسرائيل) بالهدوء، وقد أظهرت التجربة أن الأخيرة تعمل، بعكس تصريحاتها، كما يتجلى في ردود فعلها عندما تتفاجأ بحزمة من البالونات الحارقة أو الصواريخ أو التظاهرات الحدودية، مع العلم أن الكثير من الإسرائيليين فوجئوا بتصعيد وتيرة الاحتجاجات الحدودية رغم التسريبات بوجود اتفاق على إدخال المنحة القطرية، لكن هذه المنحة هي الحد الأدنى الضروري لبقاء اقتصاد غزة على قيد الحياة، حتى عندما تتدفق تظل غزة تحت خط الصفر، فالحرب الأخيرة زادت من المعاناة الاقتصادية، وزاد النقص في السيولة، وارتفعت البطالة.
يشاهد الفلسطينيون انشغال العالم بمشاكل عديدة، ودفع قضيتهم إلى نهاية القائمة، وتقاتل غزة من أجل كسرة خبز، وخرجت الحشود إلى الحدود، لأنه ليس لديهم الكثير من الخيارات، ويدرك الفلسطينيون أن هذه الفعاليات قد تكون مكلفة، لكنها تجعلهم يطفون فوق سطح الماء، وإلا فإنهم سيغرقون، وفي حين يواصلون إشعال الحدود دون تردد، مع مرور الوقت تخسر (إسرائيل) المزيد من أوراق الضغط التي بحوزتها عليهم.
الخلاصة الإسرائيلية أن حاجة (إسرائيل) للدفاع عن نفسها ستتضاءل أمام الصور المأساوية القادمة من غزة، ما قد يستدعي منها تفكيرًا يتجاوز المنحة القطرية وانتشار الجيش على الحدود، صحيح أنه يصعب على الحكومة الحالية اتخاذ قرارات معقدة لا تحظى بشعبية بين جمهورها، لكنها إذا لم تتخذها، فقد يكون الثمن الذي يدفعه الإسرائيليون أثقل بكثير، وهذا وفقًا لرؤيتهم السائدة.