أعلن رئيس وزراء العدو نفتالي بينيت الأسبوع الماضي وقبل لقائه بالرئيس الأمريكي جو بايدن أن حكومته لن تقبل قيام دولة فلسطينية، ولن تجري مفاوضات مع الفلسطينيين، وستعمل على توسيع المستوطنات في الضفة الغربية. قادة السلطة الفلسطينية هاجموا بينيت والحكومة الإسرائيلية، ولكن بعد أيام قليلة اجتمع الرئيس محمود عباس بشكل مفاجئ مع وزير الحرب بيني غانتس، وهذا يعني قبول السلطة بتصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية، ولو لم يكن الأمر كذلك لرفضت السلطة أي لقاء مع الطرف الإسرائيلي، ولأعلنت قطع كل العلاقات معه، لا سيما أن تصريحات بينيت نسفت أوهام حل الدولتين من جذورها، ووضعت السلطة الفلسطينية في موقف سيئ للغاية.
الطرف الفلسطيني علق على لقاء عباس غانتس بالقول إن الاجتماع تناول العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية من جميع جوانبها، وقد يتبادر إلى الذهن أن اللقاء جاء لتصحيح موقف بينيت قبل أيام، ولكن المصادر العبرية كشفت حقيقة اللقاء وأنه تناول الأوضاع الأمنية والاقتصادية والمدنية فقط، ولا يتعارض بالنسبة للسياسة الإسرائيلية مع تصريحات بينيت ورفضه إقامة الدولة الفلسطينية.
عندما شرعت (إسرائيل) في محاولتها المستميتة لجلب الهدوء من خلال تهدئة طويلة الأمد بعد هزيمتها العسكرية أمام المقاومة في غزة، وإرسال أطراف متعددة للتوسط مع حماس والمقاومة في قطاع غزة قالت السلطة الفلسطينية وقادة منظمة التحرير الفلسطينية إن القضية الفلسطينية هي قضية سياسية، وليست قضية إنسانية واتهموا المقاومة بتدمير المسار السياسي والقضية الفلسطينية، علما أن التهدئة لم تكن مقابل أي ثمن سياسي، بل مقابل شروط كثيرة فرضتها المقاومة، منها رفع الحصار عن قطاع غزة، أي أن المقاومة تريد تهدئة مؤقتة وبيئة مناسبة للنظر في حلول سياسية يتوافق عليها كل الفلسطينيين استنادا إلى اتفاقية القاهرة ووثيقة الوفاق الوطني، ولا تريد تهدئة مقابل اعتراف بشرعية الاحتلال أو الاستسلام للأمر الواقع، ولكن ما يحدث بين السلطة ودولة الاحتلال هو بالفعل تحويل القضية الفلسطينية إلى قضية إنسانية بالدرجة الأولى تحت مسمى حلول اقتصادية ومدنية ولكن مقابل ثمن باهظ، وهو استمرار السلطة بحفظ الأمن الإسرائيلي ونسيان إقامة دولة فلسطينية على أساس اتفاقية أوسلو المشؤومة.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الاقتصاد الذي تريده دولة الاحتلال لا يعني نظاما اقتصاديا يعزز صمود الشعب الفلسطيني بل هو نظام إغاثي يتمثل في توفير رواتب الموظفين من أطراف خارجية، إلى جانب عمل مشاريع لتشغيل أيدٍ عاملة، ولكنها مشاريع غير مجدية ولا تساعد في إقامة نظام اقتصادي حقيقي، وهي أشبه بآلاف المشاريع الوهمية التي أقامها رئيس الوزراء السابق سلام فياض ووفرت حينها ملايين الدولارات التي في العادة تستقر في خزينة دولة الاحتلال، ولذلك نتمنى أن تفيق منظمة التحرير الفلسطينية من غفلتها وأن تعود إلى الشعب الفلسطيني وتقبل بالمصالحة والوحدة الوطنية، وعليها وعلى كل المسؤولين في السلطة نسيان موضوع الاعتراف بالشرعية الدولية، لأن الشرعية الدولية هي التي جلبت لنا الاحتلال وتحاول تثبيته، والشرعية الدولية هي التي أنتجت صفقة القرن، وسمحت بوجود سفارة أمريكية في القدس، والشرعية الدولية هي التي دمرت الوطن العربي وتحاول إنهاء القضية الفلسطينية. والمصيبة الكبرى أن يكون الاعتراف بالشرعية الدولية شرطا لإنجاز الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام، علما أن غالبية الشعب الفلسطيني تختار الموت على أن تختار الاعتراف بما تسمى الشرعية الدولية والاعتراف بشرعية الاحتلال.