فور إعلان الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، تعاملت (إسرائيل) مع هذا الحدث التاريخي على أنه "داخلي بحت"، وليس باعتباره خارجياً، على الرغم من آلاف الكيلومترات الفاصلة بين (تل أبيب) وكابول، فالصورة العامة عبّرت عن حالة من القلق لدى المحافل الإسرائيلية المختلفة بسبب سيطرة حركة طالبان على أفغانستان، و"فرار" القوات الأمريكية.
رغم ذلك، وبسبب الرغبة في عدم إحراج الولايات المتحدة، فقد امتنعت محافل الرسمية في القيادة السياسية في (إسرائيل)، عن التطرق إلى انهيار الجيش الأفغاني، وفرار الممثلين الأمريكيين من كابل، لكن المحافل ذاتها أكدت في حوارات مغلقة أن لأحداث أفغانستان تداعيات واضحة ومباشرة على (إسرائيل).
وقد شكلت سرعة انهيار حكومة أفغانستان، والجيش الذي بنته أمريكا بثلاثمئة ألف جندي، مع عتاد متطور، أمام قوات طالبان، سبباً كافياً للقلق الإسرائيلي، ولذلك أسهبت الأوساط الإسرائيلية في الحديث عمَّا أسمته "الخروج المذل" للولايات المتحدة الأمريكية من أفغانستان؛ ما أشعل الأضواء الحمراء أمام (تل أبيب)، التي رأى كبار مسؤوليها أن انسحاب جيش الاحتلال من الضفة الغربية على غرار ما قامت به واشنطن سيمكن حماس من السيطرة عليها، لأنه في اللحظة التي ستخرج فيها (إسرائيل) من هناك، ستنهار السلطة الفلسطينية، وتختفي قواتها الأمنية، وتسيطر حماس.
مع أن الصور "القاسية" القادمة من كابول أعادت الإسرائيليين إلى لبنان عام 2000، حيث الانسحاب الذي قدم موعد الانهيار السريع لجيش لبنان الجنوبي العميل، وكذلك الانسحاب من غزة في 2005، ولذلك فإن الانطواء الأمريكي ستكون له تداعيات على (إسرائيل) وحكومتها، وحضر خلال قمة بايدن –بينيت.
يمكن الحديث بكثير من الثقة أن الخروج السريع للقوات الأمريكية من أفغانستان، سيترك أثراً عميقاً على التجربة العسكرية الإسرائيلية لفترة طويلة، صحيح أن أفغانستان ليست هنا، و(إسرائيل) دولة لها جيش قوي، لكن عندما تعلن الولايات المتحدة أنها تنفصل عن الشرق الأوسط، فهذا ليس جيداً لـ(إسرائيل)، وصحيح أن لديها تحالفاً مع الولايات المتحدة، وهذا يساعدها، لكنها لا تحارب من أجلها.
وصل الأمر بعدد كبير من الإسرائيليين للإعراب عن قلقهم من الفشل الأمريكي في أفغانستان، وتبعاته على (إسرائيل) وحليفاتها العربيات في المنطقة، ويرون به أكثر من فشل عسكري، وفي مثل هذا الوضع، ستكون (إسرائيل) جزءاً كاملاً ممن سيتحملون النتائج، لا سيما في المسألة الأساسية الآن وهي الموضوع الإيراني، فأي انسحاب أمريكي معناه تعزيز قوة إيران، ولذلك فإن هذا الانسحاب الأمريكي سيحمل تداعيات عالمية وإقليمية ستؤثر سلبيًّا في (إسرائيل).
الخلاصة الإسرائيلية من الانسحاب الأمريكي من أفغانستان تكمن في عدم الاعتماد الكلي على الحلفاء الأقوياء حول العالم، رغم أهميتهم، لأن لكل حليف منهم له مصالحه الخاصة، التي قد لا تلتقي مع المصالح الإسرائيلية بالضرورة.