مع التوتر الأمني المتصاعد على حدود قطاع غزة تتصاعد الأصوات الإسرائيلية، التي تبدي احتجاجها على تراجع الردع أمام المقاومة الفلسطينية، لا سيما بعد المسيرات والتظاهرات الحدودية الأخيرة، وما تخللها من أحداث أمنية، أهمها إطلاق النار على الجندي الإسرائيلي، وإصابته بموت سريري.
هذه الأصوات الإسرائيلية "الغاضبة" من سياسة الجيش والحكومة تجاه غزة، وتعدها تراخيًا وترددًا في حسم المواجهة؛ تزعم أنه من المستحيل ترك الوضع الأمني في قطاع غزة كما هو، والخروج مرارًا وتكرارًا لتنفيذ جولات تصعيدية بين حين وآخر، لأن الاختلاف في الظروف الأمنية بين قطاع غزة والضفة الغربية يكمن في العملية العسكرية التي نفذها الجيش الإسرائيلي في عام 2002، المسماة "السور الواقي".
أكثر من ذلك، إن الدعوات الإسرائيلية ذاتها تربط بين زيادة الضغط الأمني على حدود غزة، وما حصل من انسحاب أمريكي من أفغانستان، ما يعيد الذاكرة الإسرائيلية سنوات طويلة إلى الوراء حين الانسحاب من غزة، تحت ضربات المقاومة، وسيطرة حماس عليها.
الولايات المتحدة بعيدة عن أفغانستان، لكن (إسرائيل) لديها حدود مشتركة مع قطاع غزة، وما زالت تعاني عواقب خطة فك الارتباط، والأوهام المنتشرة بين الإسرائيليين، لأن الواقع يقول إن منطقة غوش دان قرب (تل أبيب) باتت بسهولة في مرمى صواريخ المقاومة، بعد أن كان ذلك كابوسًا إسرائيليًّا محظور التحقق.
مع العلم أنه عندما انسحبت (إسرائيل) من قطاع غزة، ونزح مستوطنو غوش قطيف في 2005، كان قطاع غزة جزءًا لا يتجزأ من السلطة الفلسطينية، لكن منذ اللحظة التي حصل فيها الانسحاب، حتى قبله، تحول قطاع غزة إلى قاعدة للعمليات المسلحة، وإطلاق الصواريخ، وزراعة الرعب في شوارع الإسرائيليين، وشكل أي صعود لحافلة، أو دخول لمطعم أو مقهى، بمنزلة مقامرة على "روليت" الحياة، وفق المصطلح الإسرائيلي.
يستحضر الإسرائيليون في هذا الواقع الأمني الصعب كيف شنت عملية السور الواقي في 2002 التي دمرت فيها البنية التحتية للتنظيمات المسلحة في الضفة الغربية، ما أدى إلى حرية العمل في الأراضي الفلسطينية لجيش الاحتلال الإسرائيلي وجهاز الأمن العام (الشاباك)، وحتى كتابة هذه السطور ما زالت تعمل قوات الأمن الإسرائيلية في الضفة الغربية لحماية الإسرائيليين.
الخلاصة الإسرائيلية أن الاختلاف اليوم بين الوضع الأمني في نتانيا قرب طولكرم وسديروت قرب قطاع غزة يعود إلى حقيقة بناء "جدار حماية" في طولكرم، وفي قطاع غزة لا، ولذلك من المستحيل ترك الوضع في غزة كما هو، والخروج مرارًا وتكرارًا لـ"جولات تصعيدية" لا تغير الوضع العام، ما يزيد الدعوات إلى تنفيذ "السور الواقي 2" في القطاع، رغم وجود اعتبارات أمنية وعسكرية عديدة تحول دون اتخاذ هذا القرار الصعب، والمكلف في الوقت ذاته.