الأحد 15 آب (أغسطس) 2021 يوم انهيار الاحتلال الأمريكي لأفغانستان سيكون يومًا لا يُنسى في وجدان قادة (إسرائيل)، إذ دب الخوف في أوصالهم خشية أن يتكرر السيناريو الأفغاني معهم في فلسطين، وصاروا يتخيلون أن تتصدر عبارة "فلسطين مقبرة الغزاة" عناوين الصحف ووسائل الإعلام، وزادهم إحباطًا تخيل مشهد المحتلين و"المتعاونين" وهم يتدافعون للدخول إلى مطار (بن غوريون) لركوب طائرات "الإجلاء"، على أمل النجاة بأرواحهم، غير حشود المستوطنين الذين تكتظ بهم مدن الساحل الفلسطيني، مثل يافا وحيفا وعكا وغيرها، بانتظار السفن التي ستعيدهم إلى حيث جاء أجدادهم.
لقد اجتاحت المؤسسة الأمنية الصهيونية حالة من الذعر فور توارد الأنباء من أفغانستان بانهيار حكومة كابول وجيشها، ودخول طالبان الى العاصمة دون قتال، وتعزو (إسرائيل) مخاوفها إلى تعاون (حركة حماس) مع (حركة طالبان)، خاصة بعد المكالمة التي أجراها إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي في حماس مع نظيره في طالبان الملا عبد الغني برادر، لتقديم التهنئة بـ"هزيمة الاحتلال الأمريكي"، وتعبر الأوساط الأمنية الإسرائيلية عن قلقها من أن تعاون حماس وطالبان ربما يؤدي إلى أن تجد الأسلحة التي غنمتها طالبان من الجيش الأفغاني طريقها إلى غزة.
أما الأوساط السياسية الإسرائيلية فليست أفضل حالًا من المؤسسة الأمنية؛ فهي التي وضعت مصير كيانهم بيد الولايات المتحدة الأمريكية، التي يقول المحتلون إنها باستكمال انسحابها من الشرق الأوسط -خاصة سوريا والعراق- سوف "تتسبب بزعزعة المحيط القريب جدًّا من (إسرائيل)"، وقد نقل المسؤولون الإسرائيليون مخاوفهم إلى إدارة بايدن في الحال.
رغم مكالمة التهنئة والصورة المنشورة لهنية وبرادر، وبيان حماس فحوى الاتصال الهاتفي بينهما؛ نفى الناطق باسم طالبان (وجود أي تعاون مع حركة حماس في أي منطقة)، لكن مصادر إسرائيلية أكدت أن هنية وبرادر التقيا سرًّا في الدوحة، بعد العدوان الأخير على غزة، الأمر الذي تؤكده الصور المنشورة لهما، أنهما التقيا ربما أكثر من مرة في أثناء وجودهما في الدوحة، وأن علاقة شخصية أصبحت تربطهما، لذلك إن التفسير الوحيد لهذا النفي الخجول من قبل حركة طالبان أنها ربما ترغب أن تظل على مسافة من حماس، في هذه المرحلة تحديدًا، حتى لا تختلط أوراقها على المستوى الدولي، في وقت ينصب تركيزها فيه على تسلم مقاليد زمام الأمور في البلاد.
ساد الأوساط الصحافية والإعلامية في (إسرائيل) شعور بالشماتة نتيجة هزيمة الولايات المتحدة وفشلها في أفغانستان، فقال أحد المعلقين: "إن أمريكا فرت وذيلها بين رجليها، لقد تحطم الحلم الأمريكي"، وقالت كاتبة صحافية: "الصور التي تبث من أفغانستان محرجة للولايات المتحدة، والهزيمة الأمريكية هناك كانت معروفة مسبقًا، رغم إهدار الولايات المتحدة 2 ترليون دولار، ومقتل 2400 من جنودها"، وقال صحافي إسرائيلي رافق القوات الأمريكية يوم احتلت أفغانستان: "عندما هُزمت طالبان سمعت عناصرها يقولون: «سوف نرجع»، فتعاملت مع كلامهم كأنه نكتة وحلم بعيد المنال، لكن اليوم بعد عشرين عامًا تبين أن كل ما قالته أمريكا وحلفاؤها هو النكتة، وطالبان تحقق كل كلمة وعدت بها"، وهذا يعيد إلى الأذهان غلاف مجلة ذا تايمز الأمريكية عام 2001، الذي حمل عنوان: (الأيام الأخيرة لطالبان)، مع تصريح للملا محمد عمر، قال فيه وقتها: "لقد وعدَنا الله بالنصر، ووعدَنا بوش بالهزيمة، وسنرى أيّ الوعدَين أصدق".
لكن المسؤولين الإسرائيليين السابقين كانوا متشائمين في ردود أفعالهم، إذ قال الجنرال عاموس جلعاد: "يجب على (إسرائيل) أن تفعل ما في وسعها لمنع سقوط نظم الحكم في الأردن، ومصر، وأي نظام صديق آخر في المنطقة"، وقال قائد لواء الأبحاث السابق في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية: "إن هزيمة الولايات المتحدة على يد طالبان تدل على أن (إسرائيل) مطالبة بتقليص رهانها على الدعم الأمريكي"، في حين قال وزير الحرب الصهيوني السابق موشي يعلون: "أفغانستان بعيدة عنا، لكن الانسحاب الأمريكي منها ستكون له انعكاسات على مكانة الولايات المتحدة في المنطقة، وسيؤثر في أمن (إسرائيل)، وعلينا أن نستعد لواقع نكون مطالبين فيه بمواجهة هذا الخطر بأنفسنا".
ولماذا لا يخشى قادة (إسرائيل) سقوط احتلالهم وتفكك دولتهم، وهم يرون بأُم أعينهم كيف تحطمت أعتى قوة عسكرية في العالم على صخرة صمود بسطاء أفغانستان وإيمانهم بالنصر على المحتلين؟! فلما لا يتكرر سيناريو أفغانستان في فلسطين، لتعود السيادة عليها إلى العرب والمسلمين؟! ولماذا لا يتحقق حُلمُ المرأة الفلسطينية العجوز التي خاطبت جندي الاحتلال، الذي ضايقها في باحات الأقصى، قائلة له: (انقلع من هون)؟! وسيتحقق حُلمُ الحاجة الفلسطينية يومًا أن (ينقلع) المحتلون من أرض فلسطين، ومعهم المتعاونون.