تتوافق التقييمات الإسرائيلية على أن الفلسطينيين في الضفة الغربية سئموا من فساد السلطة الفلسطينية؛ ما يجعل نظامهم السياسي يعيش اضطرابات متلاحقة، لا سيما عقب إلغاء الانتخابات، ومعرفة دوافع أبو مازن لاتخاذ قراره في اللحظات الأخيرة، وزيادة تكلفة المعيشة تحت الاحتلال الإسرائيلي.
وفق القراءة الإسرائيلية، فإن استمرار هذا الوضع بالضفة الغربية قد يُمهِّد الطريق أمام حماس لتسلّم السلطة فيها، والسيطرة على الأراضي الفلسطينية على "طبق من فضة"؛ ما سيزيد من مخاوف (إسرائيل) من هذا الخيار، ويدفعها إلى البحث بجدية عن نتائج هذه الفرضية المقلقة لها، بغض النظر عن موضوعيتها أو تضخيمها.
تراقب المنظومة الإسرائيلية كيف تقمع السلطة الفلسطينية منذ أكثر من 15 عامًا، بقبضة من حديد، أي محاولة لتشكيل معارضة داخل مؤسساتها، وإذا كان هناك من يفكر في محاولة تحديها، فقد أثبتت أنها شرسة في مواجهة خصومها من الداخل، بدليل أنه عندما أدرك أن مروان البرغوثي يكتسب شعبية في الشارع الفلسطيني، استطاع أبو مازن عبر جملة خطوات تدريجية تفكيك جميع مراكز قوته، للقضاء عليها قضاء فعالًا.
بين حين وآخر تصدر تقارير إسرائيلية عن حجم انتشار الفساد في مؤسسات السلطة الفلسطينية، وفي كل ركن من أركانها، ومؤسساتها العامة، حتى إن أي طالب أنهى دراسته الجامعية بنجاح، ويبحث عن وظيفة، سيواجه ظاهرة المحسوبية الفوضوية المنتشرة في كل مكان في النظام العام الفلسطيني، والغريب أنه يُنظر إليها على أنها مشروعة ومبررة، ويا للمفارقة، فإن هذا الداء ينتشر في الضفة الغربية وقطاع غزة على حد سواء.
تزعم الأوساط الإسرائيلية أن كبار المسؤولين الأمنيين في تل أبيب والقاهرة وعمان، لديهم مخاوف من أن يؤدي استيلاء حماس على السلطة لتقوية جماعة الإخوان المسلمين في الأردن ومصر، ولذلك أدت مخاوفهم هذه لأن يتوافدوا للقاء نظرائهم الفلسطينيين، لمعرفة كيفية إقصاء حماس عن الضفة الغربية.
اللافت أنه رغم تدمير البنية التحتية العسكرية لحماس في الضفة الغربية منذ عملية السور الواقي، وعدم سماح الأمن الفلسطيني لنشطاء الحركة برفع رؤوسهم، لكن من الواضح أن المزيد والمزيد من النشطاء الشباب ينضمون إليها، وهي تعمل باستمرار من أجل إعادة بناء قوتها العسكرية، وهو أمر مقلق للأوساط الإسرائيلية والإقليمية المجاورة.
بجانب الخوف الجدي لـ(إسرائيل) والسلطة الفلسطينية من أن تستولي حماس على الضفة الغربية بوسائل تبدو مشروعة، فقد تحصل الحركة على إنجاز سياسي جديد، قد يدفع بعض الدول إلى منحها الاعتراف والشرعية الدولية، وسيترتب عليه أننا سنكون أمام "بروفة ترويجية" لليوم التالي لرحيل أبو مازن، الذي يشهد بين حين وآخر تدهورا في حالته الصحية.