ما إن توقف العدوان الإسرائيلي على غزة في مايو، الذي استمر قرابة أحد عشر يومًا، حتى بدأت الأوساط الفلسطينية والإسرائيلية، ولا سيما العسكرية منها، تتخوف من اندلاع مواجهة جديدة، قد تندلع في أي لحظة، في ظل جملة من العوامل الداخلية والخارجية، التي لم تنجح حتى الآن في كبح جماح التصعيد المتقطع بين حين وآخر على حدود غزة.
كان واضحًا منذ اللحظة الأولى أن وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه بدا هشًّا وغير مستقر، ولم يتحقق إلا بعد ضغوط أمريكية كبيرة على (إسرائيل)، ومصرية على المقاومة، لكن دون وضع النقاط على الحروف، وعليه فقد بقيت عوامل التفجير قائمة، ويمكن لأي صاعق أن يشعل فتيل المواجهة من جديد.
الجديد الإسرائيلي هذه المرة أن الاحتلال والولايات المتحدة، ومعهما السلطة الفلسطينية وبعض الدول العربية، سعوا لوقف إدخال المنحة القطرية "نقديًّا" لجيوب المحتاجين في غزة، واستبدال ذلك بمنحهم قسائم شرائية بذات القيمة النقدية التي كانوا يحصلون عليها قبل اندلاع الحرب الأخيرة، ما أظهر رفضًا قاطعًا من المقاومة، مستندة في ذلك إلى موقف شعبي فلسطيني واسع كان مستفيدًا من هذه المنحة.
في ملف ذي صلة، تبدي (إسرائيل) رغبة جادة بطي صفحة جنودها الأسرى لدى حماس في غزة، وهو ما تسعى له حماس أيضًا، لكن مواقفهما متباعدة، في ضوء السقف العالي الذي تطالب به الحركة، مقابل السقف المتدني الذي تكتفي به (إسرائيل)، ما جعل مفاوضات صفقة التبادل غير المباشرة بينهما تصل إلى طريق مسدود في أكثر من محطة، رغم أن حماس لا تخفي رغبتها باستغلال أي مواجهة عسكرية لزيادة عدد الأسرى الإسرائيليين لديها، في محاولة منها لـ"تبييض" السجون الإسرائيلية من الأسرى الفلسطينيين.
في المقابل، هناك كوابح قد تحول دون خوض مواجهة جديدة، أهمها أننا أمام حكومة إسرائيلية جديدة، تسعى لتثبيت أقدامها في الساحة السياسية، ولا تبدي رغبة بخوض حرب قد تحمل في ثناياها شهادة وفاتها، ولا سيما إذا نجحت المقاومة في استهداف جبهة الاحتلال الداخلية، ما يجعلها تكسب مزيدًا من الوقت، وتناور مع حماس، وترفع من سقف مطالبها التفاوضية، وتخوض معها سياسة "شفا الهاوية" دون أن تقع فيها بالضرورة.
عند تقديم استنتاج ختامي لعوامل المواجهة وكوابحها لا يمكن الخروج بنتيجة واحدة قاطعة، إما أن تندلع حرب جديدة أو يسود الهدوء في غزة، في ظل وجود جملة من الدوافع المتناقضة لمختلف الأطراف على الساحة، ما قد يجعل الأمور مفتوحة على كل السيناريوهات، وقابلة لكل الاحتمالات، ولا سيما أن الجيش خرج من الحرب الأخيرة وهو مصاب بجروح واضحة، على حين ظهرت يد حماس هي الأعلى، ما قد يجعله بحاجة ماسة لترميم صورته الردعية التي تضررت كثيرًا.