بعد 27 عامًا من إنشاء السلطة الفلسطينية واستمرار مسلسل إخفاقاتها السياسية والاقتصادية، تظهر أسئلة كبيرة وموضوعية تدور حول مستقبلها السياسي. فهل يرى المجتمع الدولي أن السلطة لا تزال تملك فرصة سياسية؟ وهل يمكن استعادة ثقة المانحين رغم فشل السلطة سياسيًّا؟ أين توجد السلطة في الأجندة السياسية لإدارة بايدن الأمريكية؟ وهل حكومة بينيت-لابيد الإسرائيلية شريكًا أم وكيلًا أمنيًّا؟
معلوم أن السلطة الفلسطينية قد تشكلت بناء على اتفاق أوسلو 1993، وقد حظيت بدعم كامل من المجتمع الدولي سياسيًا واقتصاديًا. ورغم انتهاء المدة القانونية للاتفاق وهي خمس سنوات من التنفيذ (1994-1999)، وما تبع ذلك من فشل متوالٍ لمحاولات إنقاذها من الانهيار بالذات بعد إعادة احتلال الضفة تراها الغربية بما عُرف بعملية السور الواقي 2002 واحتجاز رئيس السلطة ياسر عرفات في المقاطعة، وصولًا إلى رفض ذلك المجتمع لقبول حركة حماس بعد فوزها في انتخابات يناير 2006، وما تبع ذلك من حصار وإجراءات سياسية واقتصادية كلها تهدف إلى إفشال حماس لصالح دعم السلطة؛ إلَّا أن السلطة لم تستطع أن تنجح في بناء نظام سياسي أو اقتصادي يحظى بثقة المانحين الدوليين!
من الواضح أن الإدارة الأمريكية ليست لديها مبادرة سياسية تعتمد على إحياء "عملية السلام" أو حتى رعاية لمفاوضات بين السلطة و(إسرائيل)، وهو الحد الأدنى الذي كانت تقوم به كل الإدارات الأمريكية الديمقراطية. ولعل الرئيس جو بايدن الذي كان نائبًا للرئيس باراك أوباما لثماني سنوات متواصلة يدرك أن كل الجهود التي بذلت في تلك الإدارة لم تنجح في تجاوز الواقع السياسي والاقتصادي المتردي للسلطة. فهي أصبحت أضعف من أن تفرض نفسها كقوة حاكمة تمثل الشعب الفلسطيني -حتى لو ادعت ذلك- ولعل فشلها الأخير في إجراء انتخابات للمجلس التشريعي مؤشر كبير على ذلك -وهذه هي القراءة السياسية للدول والحكومات- بغض النظر عن تأويلات السلطة التي لم تقنع أحدًا حول عدم سماح الاحتلال للانتخابات في القدس.
صحيح أن إستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية هي المحافظة على وجود السلطة الفلسطينية الحالي، لكنها لا ترغب بتحسين وضعها السياسي وذلك التزامًا منها أمنَ (إسرائيل)، ولذا أعادت تمويل الأجهزة الأمنية فقط للمحافظة على دورها الأمني في الضفة، بالتوازي مع ضمان بقائها كشكل سياسي يمنع تصدر قوى المقاومة لمركز التمثيل الفلسطيني، خاصة بعد إثبات حركة حماس قدرتها على تشكيل حالة وطنية منافسة لقيادة سياسية جماعية، وامتلاكها قاعدة انتخابية مؤثرة رغم كل ما تعرضت له من حصار سياسي وتهميش دولي وإقليمي. يضاف إلى ذلك كله نتائج معركة سيف القدس التي وضعت الاحتلال أمام تنامٍ حقيقي للقوة الميدانية لحركة حماس على حساب السلطة وحركة فتح. كما أن فشل السلطة في احتواء تداعيات جريمة مقتل الناشط نزار بنات يمثل نقطة فشل ضمن منحنى ضعف السلطة في العقد الأخير.
ومن الناحية السياسية للاحتلال الإسرائيلي فمن الواضح أن حكومة بينيت-لابيد التي في معظمها لا تؤمن بحل الدولتين، هي لا تختلف كثيرًا تجاه السلطة عن حكومات نتنياهو؛ والتي كانت -غالبًا- تضم وزراء من الحكومة الحالية مثل أيليت شاكيد وأفيغدور ليبرمان وحتى رئيس الوزراء الحالي نفتالي بينيت!
والحديث عن اتصالات قام بها وزراء إسرائيليون بالسلطة مثل وزير الخارجية يائير لابيد أو وزير جيش الاحتلال بيني غانتس، فلم تحمل أي تفاصيل أو دلالات سياسية بالذات في ظل تأكيد الحكومة الإسرائيلية استمرار الاستيطان في الضفة الغربية. ولعل فشل الإدارة الأمريكية في ثني الحكومة الإسرائيلية عن الاستيطان يعكس طبيعة الدور الأمريكي الجديد، فهي لا تريد أن تنغمس في رعاية سياسية كاملة مع رغبتها في تحفيز الطرفين للجلوس ثنائيًا، وهو ما لا يمكن أن تسمح به الأحزاب اليمينية المشاركة في الائتلاف الحكومي الهش، بالذات في النصف الأول من عمر الحكومة برئاسة نفتالي بينيت قبل انتقاله غير المضمون في 2023.
لقد بات واضحًا أن السلطة لا تملك أي فرصة خارجية لاستعادة دورها ومكانتها السياسية التي كانت عليها، وأن أقصى ما يمكن أن تحظى به هو دعم أمريكي وأوروبي لموازناتها التشغيلية للقطاعات المدنية التي تضمن عدم انهيارها كليًّا، إضافة إلى دعم كامل لأجهزتها الأمنية لتحقيق المتطلبات الإسرائيلية وهو ما سيعدونه المبرر الأساسي لبقاء السلطة والمعيار الذي سيحسم خلافة رئيس السلطة الحالي محمود عباس.