شهدت الأسابيع الماضية تصاعدًا للتوترات مرة أخرى حول المسجد الأقصى، صحيح أنها شكلت عنوانًا للمواجهة الفلسطينية الإسرائيلية منذ رمضان المنصرم، لكن توترات الأيام الأخيرة جاءت على خلفية تقاطع حساس بين الأعياد الدينية اليهودية والإسلامية، وفي هذه الحالة ذكرى التاسع من آب لدى اليهود مع عيد الأضحى لدى المسلمين، وقد أدى مثل هذا التزامن بالفعل لإثارة التوترات والصراعات في الماضي.
على غرار الأحداث التي وقعت عامي 2014-2015، فإن التوتر يتعلق بالاقتحامات المتكررة لأعضاء الكنيست للمسجد الأقصى، وهذه المرة أداء صلوات الجماعات اليهودية في انتهاك للوضع الراهن في المسجد، الذي استمر عليه الحال طيلة عقود ماضية منذ احتلاله.
مع العلم أن الخصائص التي ظهرت في الجولات السابقة حول الأقصى تظهر خطر التقاطع الحساس بين الأعياد الدينية اليهودية والإسلامية، والاقتحامات المشهورة لأعضاء الكنيست، ما يؤكد أن الأماكن المقدسة في القدس هي مصدر تصعيد في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على مر السنين.
يمكن في هذه العجالة رصد العديد من الأحداث التاريخية التي شهدتها الأراضي الفلسطينية حول المسجد الأقصى، بدءًا من عام 1929، والمواجهات في نفق الحائط الغربي عام 1996، والانتفاضة الثانية عام 2000، والبوابات المغناطيسية عام 2017، وخلال العقد الماضي في أثناء حكم بنيامين نتنياهو وقعت عدة جولات من التصعيد حول الأقصى، لكن جهود الحوار والوساطة بين (إسرائيل) والأردن، أحيانًا بتدخل أمريكي، نجحت في إنهاء الأزمة.
وكجزء من التفاهمات الإسرائيلية التي تم التوصل إليها مع الأردن عبر وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري، أكدت (إسرائيل) أن الوضع الراهن يعتمد على صلاة المسلمين في المسجد الأقصى، وغير المسلمين "يزورونه" فقط، أي يقتحمونه بالمعنى الأصح للكلمة، وبذلك أوضح نتنياهو أن هذا مبدأ سياسي ثابت وواضح، وليس قيدًا على أحد.
إلى أن جاء تصريح بينيت المفاجئ حول "حرية" الصلاة لليهود في المسجد الأقصى، في وقت حساس وإشكالي، إذ تعمل الحكومة الجديدة على إعادة بناء العلاقات مع الأردن، التي عانت أزمة عميقة في السنوات الأخيرة، لكن ردود الفعل الإقليمية والدولية لم تتأخر على التصريح، ما دفع وزير الأمن الداخلي عومر بارليف ووزير الخارجية لابيد لإصلاح الأضرار، بالإعلان أن (إسرائيل) ملتزمة الوضع الراهن في المسجد الأقصى، ومفاده حرية "الزيارة" لليهود، وللمسلمين حرية العبادة.
رغم ذلك، فإن هناك أصواتًا إسرائيلية تدعو هذه الحكومة للابتعاد عن جعل أحداث المسجد الأقصى مادة للضغط والصراع بين المكونات السياسية في (إسرائيل)، نظرًا لحساسية الموضوع، وإمكانية انفجاره في أي لحظة، والفلسطينيون من جهتهم لن يسمحوا لـ(إسرائيل) بـأن تكون قبلتهم الأولى مادة للمزاودة الحزبية الداخلية بالتصعيد، لأن ذلك من شأنه أن يشعل المنطقة بأكملها.