على مدى السنوات الـ12 الماضية، كان بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي الشخصية الأكثر أهمية في إدارة دولة الاحتلال وقيادتها في مواجهة تحديات الأمن القومي، وبعد أن أنهى فترة ولايته، من المهم أن ننظر للسنوات الماضية برؤية واسعة وشاملة، تلخص مساهمته الأمنية.
في عهد نتنياهو واجه الاحتلال تحديات أمنية، كالصراع ضد النووي الإيراني، والوجود الإيراني قرب حدوده الشمالية، وتعزيز حزب الله في لبنان وحفر أنفاقه، والوضع الأمني بالضفة الغربية، واستمرار المواجهة مع المقاومة في غزة.
في عهد نتنياهو كثف حزب الله وحماس من تسلحهما بوضوح، على الرغم من عمليات جيش الاحتلال الإسرائيلي ضمن استراتيجية "المعركة بين الحروب"، لكنهما حسّنا أنظمة أسلحتهما، وطورا قدرات تكنولوجية في مجالات دقة الصواريخ، والطائرات دون طيار، والدفاع الجوي، ونطاق ترسانة الصواريخ، وبات الحزب يحوز أكثر من 100 ألف صاروخ برؤوس حربية أكبر، وقدرات دقة أعلى، سيدفع (إسرائيل) لمواجهة تحديات أكثر صعوبة.
في مواجهة حماس فشل نتنياهو بمنع تسليحها، وباتت تشكل تحديًا أمنيًا أكبر من تهديدات بعض الجيوش المجاورة، وحققت حماس إنجازًا معنويًّا مهمًّا جدًّا بصفتها محرِّرة للأسرى الفلسطينيين، عقب موافقة نتنياهو على صفقة التبادل.
وعلى الرغم من وعوده المتكررة بأن يكون "قويا ضد حماس"، فقد فشل نتنياهو في ردعها كردع حزب الله في الشمال، والعمليات الثلاث التي شنها جيش الاحتلال في عهده لردع حماس لم تؤدِّ للنتيجة المرجوة بردع طويل الأمد، وخلال سنوات قليلة بعد كل عملية تتعرض المستوطنات الجنوبية لإطلاق الصواريخ، ما يعني أنه سمح بتكوين كيان عسكري في غزة كحزب الله في لبنان، وستكون الجولة التالية من المواجهة ضده حتمية.
أما فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، فلم يحرز نتنياهو أي تقدم في العملية السياسية، ما خلق وضعًا زاحفًا لواقع دولة واحدة بين نهر الأردن والبحر المتوسط، وساهمت سياسته في التقاعس والتعرج كثيرًا بتكثيف التهديد الأكبر للمشروع الصهيوني في شكل إقامة دولة ثنائية القومية.
مع العلم أن الأمن الإسرائيلي لا يتعلق فقط بالتعامل مع الأعداء الخارجيين، بل تُعد مرونة المجتمع الإسرائيلي وتماسكه مكونًا أساسيًا في قوته، لكن نتنياهو أضعف صمود (إسرائيل)، وأضر بالشعور بالتضامن لدى قطاعات كبيرة من الشعب اليهودي، وأضعف الشرطة والقضاء، وأصبحت الجريمة المنظمة المسلحة في عهده تهديدًا أمنيًا، وليس فقط إجراميًا، وتآكلت الثقة بمؤسسات الدولة، وتقويض التماسك الداخلي والتحريض ضدها.
كما أضر نتنياهو بمكانة وزارة الحرب وجيش الاحتلال الإسرائيلي، وأضعف إشراف مجلس الوزراء والكنيست على المؤسسة العسكرية، ولم يشجع عمليات التخطيط والتوظيف الوطني، واستبدل أربعة وزراء حرب في خمس سنوات، ما حال دون الاستقرار، والقدرة على صياغة خطة متعددة السنوات لجيش الاحتلال الإسرائيلي.