رغم الاتصال الأخير بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ لتهنئته بتولي منصبه، فإن التقدير الإسرائيلي لا يرى أن أنقرة مستعدة بعدُ لبدء مراحل تجديد العلاقة مع تل أبيب وتحسينها وتطبيعها، بل إن هناك شكوكًا إسرائيلية تجاه استئناف هذه العلاقة، في ظل أن خطوط الهواتف ورسائل البريد الإلكتروني الخاصة بالسفارة التركية في تل أبيب ما زالت مقطوعة.
صحيح أن الاتصال الأخير بين أردوغان وهرتسوغ قد يشير إلى نوايا الأول بتجديد العلاقات مع (إسرائيل)، لدوافع قد تخص مصالح بلاده، وهي مسألة عليها خلاف حتى داخل الأوساط التركية، لكن المحافل الإسرائيلية ترى أنه من الأفضل أن تستجيب بشكل إيجابي لهذه المحاولات الاستكشافية، وإن كان ذلك بحذر وفكر وفحص شامل لأي مبادرة من جانب أردوغان، الذي غالبًا ما أدلى بأقسى التصريحات المناهضة لـ(إسرائيل).
(إسرائيل) تتحدث عن تركيا، هذه القوة الإقليمية، ذات الـ85 مليون نسمة، وصاحبة الجسر الجغرافي بين قارتي آسيا وأوروبا، والعضو في منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، والدولة السياحية التي يتوافد عليها الإسرائيليون لسنوات طويلة، حتى في أيام انعدام العلاقات الدبلوماسية، كما قامت بتصنيع أنظمة أسلحة وتسويقها وبيعها للعديد من الدول، خاصة في الشرق الأوسط ومحيطه.
لقد نشأت منظومة العلاقات بين (إسرائيل) وتركيا رسميًّا في 1950، وشهدت فترات صعود وهبوط منذ ذلك الحين، وفي عهد أردوغان عاشت في الغالب فترات من الفتور والتوتر، رغم المناورات الجوية والبحرية المشتركة لجيشي البلدين، والتعاون الاستخباراتي ونقل المعلومات من (إسرائيل) لتركيا لمنع الهجمات داخلها.
في الوقت ذاته، دأبت تركيا على مهاجمة (إسرائيل) بسبب قتلها فلسطينيين في غزة، والاعتداء على المسجد الأقصى، صحيح أن قضية مافي مرمرة انتهت بدفع تعويضات للضحايا الأتراك، لكن العداء التركي ظل قائمًا، مع وجود احتمالات بأن تطورات الشرق الأوسط الأخيرة تدفع تركيا للبحث عما تعتقده مصالح لها من استئناف علاقتها بـ(إسرائيل)، وهو توجه قد لا يخدم القضية الفلسطينية على أي حال.
رغم كل ذلك، فإن الاستنتاج بأن سفيرًا تركيًّا سيعود لمكتبه في تل أبيب، لا يزال بعيدًا حتى اليوم، لأنه منذ خمس سنوات تم التوصل لاتفاق لإعادة العلاقات بين أنقرة وتل أبيب، وهما دولتان رئيستان في الشرق الأوسط، وكلتاهما تستفيد كثيرًا من تطبيع علاقاتهما، وهذا تحدٍّ جديد أمام حكومة بينيت-لابيد، لوقف تركيا عن توجيه الانتقادات ضد (إسرائيل)، وإدانتها.
مع العلم أن العوامل التي قد تدفع أنقرة لتطبيع علاقاتها بتل أبيب، تواجهها جملة من الكوابح التي قد تتسبب بعودتها إلى سابق عهدها من الفتور والتوتر، خاصة في ظل تدهور محتمل للوضع الأمني في الأراضي الفلسطينية، وهي مسألة متوقعة في أي لحظة.