مع إعلان اللجنة الحكومية العليا لإعمار غزة عن تفاصيل الأضرار التي لحقت بكل القطاعات "السكانية والبنية التحية والاقتصادية والاجتماعية"، أصبح واضحًا أن واحدًا من الوعود الدولية أو الإقليمية يكفي لتغطية التكلفة! إذ إن القيمة الإجمالية للأضرار هي 479 مليون دولارًا، وعليه فإن المنحة الأمريكية بمبلغ 500 مليون دولار -أو القطرية بالمبلغ نفسه- تستطيع أن تعيد بناء ما دمره الاحتلال في عدوانه على غزة في معركة سيف القدس.
ولعل استحواذ الأضرار في المنشآت السكانية والبنية التحتية على 61% من القيمة الإجمالية للأضرار، يعني أن العدو الإسرائيلي كان معنيًّا بزيادة معاناة السكان بشكل مباشر، فهو يدرك أن إعادة الإعمار ليست عملية سريعة وهذا ما كان واضحًا بعد كل عدوان إسرائيلي على قطاع غزة، سواء في 2008-2009 أو 2012 أو 2014. فالعدو الإسرائيلي يعتمد على استراتيجية "دع الجراح تتعفن" لإطالة أمد المعاناة لدى السكان "الحاضنة الشعبية للمقاومة"، وذلك عبر إيجاد آليات تضمن تأخير وصول الأموال ومواد البناء إلى غزة، واختراع ذرائع قانونية وإجرائية تهدف إلى التحكم في قوائم المستفيدين على أساس سياسي أو أمني؛ وذلك ما كان واضحًا في آلية إعادة الإعمار GRM بعد العدوان الإسرائيلي في 2014 على قطاع غزة.
من الواضح أن المقاومة الفلسطينية قد اتخذت قرارًا بتسريع التعافي من آثار العدوان بتوفير تعويضات عاجلة للبيوت المتضررة جزئيًّا، مع قلة الموارد واستمرار الحصار على تمويلها الخارجي؛ فهي تدرك أن شعار "ما بعد سيف القدس ليس كما قبلها" له التزامات وانعكاسات اقتصادية واجتماعية عوضًا من السياسية والعسكرية.
وبحسب التقديرات فإن 31 ألف أسرة قد تلقت تعويضات مباشرة لإصلاح بيوتها وممتلكاتها السكنية عن الأضرار أقل من 500$ بمبلغ إجمالي 7 ملايين دولار، وأن نحو 10 آلاف أسرة ضمن كشوف الأضرار بين 500$-1000$ قد رُصِد مبلغ يصل إلى 7 ملايين دولار أخرى، وهي مبالغ تعدُّ كبيرة في ظل ظروف الحصار وتأخير آليات نقل الأموال من المانحين بالتوازي مع تعطل إدخال المنحة القطرية.
من المعلوم أن معركة سيف القدس ليست آخر المعارك، ولكنها بوابة رحبة لمشروع المقاومة، يدخل منها كل من يؤمن بأن الانتصار على الاحتلال ليس شعارًا بلا فعل، أو قولًا بلا عمل، أو وعدًا بلا وفاء. وأن إدارة حياة السكان تتطلب جرأة في اتخاذ القرارات وسرعة في تنفيذ الالتزامات الوطنية. هذا لا يعني بالمطلق أن المقاومة يمكنها أن تتحمل كامل تكاليف إعادة الإعمار التي شملت أبراجًا سكنية ومؤسسات خدمية وبنية تحتية تتطلب تلك الملايين، ولكنها ملتزمة أمام شعبها أن تتواصل مع جميع الأطراف لتوفير ضمانات لإعادة الإعمار بآليات شفافة ونزيهة، تتجاوز تدخل الاحتلال في التفاصيل بمنحه حق الاعتراض وحجب الأموال أو مواد البناء، وتكفل عدم إهدار المال عبر تدخلات السلطة بتحويلها إلى غير ما خصصت له كما حصل في أموال إعادة الإعمار بعد 2014.
إن سرعة التعافي بعد المعركة تمثل توجهًا استراتيجيًّا في مشروع المقاومة، بحيث تُعاد الخدمات الحيوية بأقصى سرعة ممكنة، وهو بالفعل ما قامت عليه كل القطاعات الخدمية كالكهرباء وخطوط الهاتف، إضافة إلى المياه والطرق عبر البلديات وغيرها في معركة سيف القدس -بل وفي أيام المعركة- وهو ما يعكس تكامل الالتزامات الوطنية لكل المكونات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، سواء الحكومية أو القطاع الخاص. كل ذلك بالنسبة لمشروع المقاومة هو بموازاة إعادة تأهيل القدرات العسكرية التي تضررت في المعركة.