تتواصل الشكاوى الإسرائيلية من الجهود التي يبذلها الفلسطينيون وأصدقاؤهم في العالم من أعضاء البرلمانات، الذين ينتقدون (إسرائيل)، ويركزون في كل مرة على اتهامها بأنها تنفذ "تطهيرًا عرقيًّا" ضد الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة، لأنه أصبح من المعتاد أن يشن المعارضون لـ(إسرائيل) حربًا سياسية عليها باتهامها أمام الرأي العام بالمسؤولية عن جرائم حرب مختلفة في أي عدوان تشنه على قطاع غزة.
يعود الإسرائيليون بذاكرتهم إلى العدوان الذي شنه جيش الاحتلال على غزة أواخر 2008 وأوائل 2009، حين اتهم مجلس حقوق الإنسان التابع لمنظمة الأمم المتحدة (إسرائيل) بقتل مدنيين أبرياء في أثناء تلك الحرب، وتتوج ذلك بالتقرير الشهير للقاضي الدولي ريتشارد غولدستون رئيس فريق تحقيق الأمم المتحدة، وشكل في حينه وثيقة دولية لإدانة (إسرائيل)، وكان بإمكان الفلسطينيين أن يقودوها إلى المحاكم الدولية، لولا أن السلطة الفلسطينية فرطت فيه، ولم تحسن توظيفه جيدًا، لاعتبارات سياسية.
الشاهد في هذا الاتهام الموجه لدولة الاحتلال أنها باتت ترتكب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، وهي القضية الرئيسة التي تواجهها اليوم، وقد تكرر الأمر حديثًا في عام 2021، عقب الحرب الأخيرة على غزة، وجاءت لائحة الاتهام الأكثر شيوعًا ضد (إسرائيل) هي تنفيذ سياسة الإعدام بـ"التطهير العرقي".
يوجه الإسرائيليون أصابع الاتهام إلى النائبة الديمقراطية الأمريكية إلهان عمر، بأنها دأبت على اتهام (إسرائيل) بهذا الوصف الأكثر شرحًا للسياسة الإسرائيلية، أيضًا ركزت مجالس الطلاب في الجامعات الغربية على هذا الاتهام، لأنه يدين الظلم والتطهير العرقي والإبادة الجماعية، حتى عالم الفن شهد اتهام (إسرائيل) بالتورط في "التطهير العرقي" للفلسطينيين.
صحيح أن عبارة "التطهير العرقي" جديدة نسبيًّا، لكن ما يزعج الاحتلال أن الفلسطينيين يعدون ما يحصل من استيطان في حي الشيخ جراح بالقدس أحد أشكال هذا التطهير، ودفع بعض للقول إن سياسة "التطهير العرقي" متبعة منذ عام 1948، إبان تنفيذ عصابة (هاغانا) الخطة العسكرية الصهيونية "دالت"، لأنها شكلت مخططًا رئيسًا لطرد الفلسطينيين.
يتخوف الإسرائيليون أن يشكل اتهامهم بارتكاب جرائم حرب وانتهاج سياسة التطهير العرقي أحد أشكال الحرب على الوعي السياسي، وهناك قلق لديهم من أن يظفر الفلسطينيون بمعركة الرواية، لا سيما في الأوساط الغربية، القانونية والحقوقية على وجه خاص، وهي معركة سياسية ودبلوماسية وإعلامية، لا تقل ضراوة وحدة عن المعركة التي يخوضها جيشها على الجانب العسكري، ما يتطلب من الفلسطينيين التركيز على هذا المصطلح، وتكراره في كل وقت وحين، لأنه التوصيف الأوضح لهذا الاحتلال.